هكذا ساهمت ترسبات الثقافة القبلية في "التشرذم الحزبي" بالمغرب

هكذا ساهمت ترسبات الثقافة القبلية في "التشرذم الحزبي" بالمغرب
السبت 10 دجنبر 2016 - 03:40

من المعروف أن الثقافة السياسية في كل مجتمع تبقى متأثرة بموروثاتها الثقافية والسياسية والسيوسيولوجية، خاصة في مجتمعات كالمجتمع المغربي الذي لم يعرف ثورات سياسية أو ثقافية وإن عرف باستمرار عدة تطورات على الصعيد الاجتماعي والفكري والسياسي.

ومن خلال هذه التطورات السياسية، ظهرت الأحزاب بالمغرب مقتبسة في الوقت نفسه تنظيمات وهياكل أجنبية دون أن تحقق قطيعة مع موروثها السياسي القائم ليس فقط على جدلية “الشيخ والمريد” و”السيد والخديم” بل أيضا على منطق الانقسامات والتحالفات القبلية.

الانقسامات الحزبية

إن التشرذم الذي عرفه المشهد الحزبي منذ تكونه بالمغرب لا يمكن تفسيره باختلاف الرؤى وتباين الطروحات السياسية والإيديولوجية فقط؛ خاصة في بنية سياسية إيديولوجية قائمة على الأحادية الإجماعية والمتجسدة في “الملكية الدينية”؛ بل بمحركات وميكانزمات لم تقطع بعد مع المنطق القبلي الذي ساد وتحكم في تطورات المجتمع المغربي عبر تاريخه السياسي.

من هذا المنطلق، يمكن أن نحدد التشرذم الحزبي بالمغرب من خلال العوامل الثلاثة التالية: السياسية الحزبية للمخزن؛ الفكر القبلي؛ والغنيمة الحزبية.

-1-1 السياسة الحزبية

تركزت مقومات السياسة الرسمية تجاه الأحزاب بالعمل الدائب والدائم على تشتيت القطب الحزبي الوحيد. أما المخزن، فقد كانت سلطاته وصلاحياته بعيد الاستقلال تقوم بالأساس على الهيمنة والتحكم. وبالتالي؛ فقد كان ينظر بحذر شديد إلى إستراتيجية حزب الاستقلال في بحثه عن إقامة نموذج الحزب الوحيد بالمغرب أو حتى البحث عن موقع هيمني داخل الحقل السياسي المغربي.

من هنا، لجأت السلطة المخزنية إلى عدة إجراءات تمثلت خاصة من خلال:

تكريس السياسة الحكومية التي انتهجتها فرنسا إبان المفاوضات حول استقلال المغرب؛ وذلك من خلال عدم السماح باستفراد حزب الاستقلال بالحكومة المنسجمة.

توظيف الصراعات والخلافات الداخلية لحزب الاستقلال كحزب مهيمن.

العمل على إصدار مجموعة من القوانين والظهائر تبيح خلق أحزاب منافسة كالحركة الشعبية.

وهكذا، شكل ظهير الحريات العامة الصادرة في فبراير 1958 أداة قانونية لتنفيذ سياسة السلطة المركزية من أجل تسهيل عملية تأسيس الأحزاب واعتبارها كوسائل للتأطير إلى جانب مختلف الجمعيات الأخرى .

بالإضافة إلى ذلك، سعى المخزن إلى ضرب كل المقومات التي يمكن أن تشجع على قيام الحزب الوحيد من خلال التنصيص دستوريا على تحريم وحظر هذا النظام الحزبي بالمغرب. وإلى جانب هذه الإجراءات السياسية والقانونية المعلنة؛ سعى النظام إلى عدة أساليب غير معلنة تعتمد على اختراق الأحزاب ونسفها من الداخل، حيث خصص ضمن أجهزته الاستعلاماتية والمخابراتية مصالح خاصة كلفت بمهمة :

مراقبة قيادات الأحزاب وتتبعهم.

اغتيال وتصفية بعض الزعامات الحزبية الراديكالية (كالمهدي بن بركة وعمر بن جلون وغيره)

اختراق الأحزاب وبث الشقاق بين صفوفها.

إنضاج الخلافات الداخلية الحزبية.

المساعدة على تمويل خلق أحزاب مصطنعة.

العمل على إنجاح الأحزاب المصطنعة وفبركة نتائجها الانتخابية.

ولعله من الممكن إدراج هذه الإجراءات المختلفة ضمن السياسة التي كان يلجأ إليها المخزن في تعامله مع القبائل. فتفتيت القبائل القوية والمتمردة؛ أو التحالف مع بعضها؛ أو توظيف مكونات ما سمي بقبائل المخزن أو اللعب على الخلافات الداخلية بين القبائل، وتقريب زعامات بعضها وإسناد مناصب لها، كل ذلك كان من ضمن السياسة القبلية للمخزن.

ولعل هذه السياسة هي التي تم الحفاظ عليها وتبنيها في التعامل مع مكونات الحقل الحزبي. فتفتيت حزب الاستقلال وإنضاج الخلافات بين صفوفه؛ والتشجيع على خلق الحركة الشعبية؛ التي انعكست بشكل جلي لا من خلال متزعمها الأساسي الذي جسد “أمغارا قبليا” قبل أن يجسد قياديا حزبيا، ثم خلق أحزاب “إدارية”، تضاهي وتوازي ما سمي بقبائل المخزن؛ مع إسناد زعامتها لشخصيات “ممخزنة”؛ واللعب على طموحات قيادات الأحزاب وإدخالهم في لعبة مغلقة من المفاوضات الشخصية والسرية؛ عكس بشكل جلي تبني السلطة المركزية لسياسة قبلية تقليدية لمواجهة أحزاب سياسية ذات هياكل وتنظيمات عصرية.

1-2 – الفكر القبلي

إن تميز جل الأحزاب المغربية بأنها “أحزاب تكيف” في محيط اجتماعي انتقالي يتطور باستمرار يجعل هذه الأخيرة تتأثر بمحيطها السياسي والاجتماعي والثقافي أكثر مما تؤثر فيه. فاختيار هذه الأخيرة “لاستراتيجية النضال الديمقراطي” والعمل على إصلاح المؤسسة المخزنية بدل تغييرها جعلها أدوات في يد السلطة المخزنية لرسم سياستها في الهيمنة على المجال السياسي المغربي. وهكذا، استطاع النسق المخزني المركزي أن “يمخزن” جل الأحزاب ويدخلها في لعبته السياسية القائمة بالأساس على التدجين والاحتواء. ولعل مما ساعد على مخزنة هذه الأحزاب التركيبة السوسيولوجية التي تتكون منها والمتمثلة خاصة في التعصب الفكري؛ والنعرة الجهوية، والذكورية.

التعصب الفكري

من المعروف أن التعصب يعتبر السمة البارزة التي ميزت الفكر القبلي. فكل أعضاء القبيلة ينبغي أن يؤمنوا بالعقيدة نفسها السائدة داخلها. فالاختلاف يعتبر بدعة لامجال لها داخل المجال القبلي. كما أن العضو “الغريب” لا يعترف به داخل القبيلة. كما أن الأفكار الخارجة عن فكر القبيلة السائد تعتبر هي أيضا غير مرغوب فيها.

ولعل هذا المنطق الفكري هو الذي ما زال سائدا في مختلف الأحزاب المغربية، إذ إن جلها لا تعترف بالاختلافات الفكرية أو السياسية. فكل هذه الاختلافات، خاصة تلك التي لا يتبناها الزعيم الحزبي، الذي هو كشيخ أو أمغار القبيلة، تعتبر غير مرغوب فيها، وبالتالي يجب محاربتها ومحاصرة من يتبناها. من هنا يفهم لماذا تتحول اختلافات فكرية وسياسية تعتبر مسألة طبيعية وضرورية في مجال حزبي يقوم على الاختلاف والاعتراف بتباين الآراء حول قضايا سياسية إلى عملية انشقاق وانقسام. فالإقصاء الذي يقوم به الزعيم معضدا في ذلك بمن يحيط به ضد الشرائح المخالفة تواجهه هذه الأخيرة في شخص من يتزعمها باللجوء إلى الانشقاق متى توفرت لها الظروف لذلك.

وغالبا ما تتم هذه العملية من خلال اصطفاف حزبي يواجه فيه المخالفون الزعامة الحزبية القائمة؛ حيث يتحول هذا الاصطفاف إلى مواجهة بين الطرفين كل يحاول نعت الآخر بأقذع النعوت وأقبح الصفات ويتحول فيها مناضلون وقياديون “مثقفون” و”مهذبون” إلى عناصر متناحرة ومتنابذة تذكر بالتنابذ القبلي والتناحر الذي يتم بين أعضاء قبيلة في جل خلافاتهم ومشاكلهم الداخلية. وقد تنتقل هذه المواجهة الكلامية إلى عراكات وصراعات دموية لا يمكن تفسيرها إلا بصراعات قبلية وزعاماتية وليس بصراعات سياسية أو مذهبية. وقد عكست الرسالة التي بعثتها مجموعة من المقاومين وجيش التحرير إلى الكاتب الأول السابق لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية قبيل انعقاد المؤتمر السادس لهذا الحزب هذا المنطق القبلي، حيث وردت بعض الإشارات التي تنتقد هذا الطابع القبلي جاء فيها:

“… إن جوهر الأرضية يمضي في تكريس مخلفات ترسبات فكر الزاوية في الحزب رغم شعارات الحداثة والتحديث وغيرهما، بحيث تصير المحصلة النهائية عندما ننزع أقنعة الكلمات هي عبارة عن علاقات على أساس منطق قبلي، والزعيم هو بمثابة شيخ القبيلة، يبقى خالدا في منصبه…” (الصحيفة بتاريخ 29 – 23 مارس 2001 – ص 1)

النعرة الجهوية

إن الروح الإقليمية تعتبر سمة منغرسة في التربة الاجتماعية المغربية بفعل المورفولوجية الجغرافية واللغوية التي يعرفها المجال المغربي (صحراء، ساحل، جبال، وسهول ) والمورفولوجية السكانية التي نتجت عن الهجرات التي عرفها المغرب سواء من شماله (توافد الأندلسيين) أو شرقا (توافد القبائل العربية) أو جنوبا ( توافد العناصر الإفريقية) أو المورفولوجية الثقافية المترتبة عن هذا التلاقح بين مختلف هذه العناصر بعاداتها أفكارها وأعرافها بالإضافة إلى التعدد اللغوي الذي يقترن بمناطق جغرافية محددة (الحسانية بالمناطق الصحراوية الجنوبية، والسوسية التي تمتد ما بين أكادير ونواحيها، والريفية بالمنطقة الممتدة من الناظور والحسيمة وتازة، والأعرابية المنتشرة في مناطق الشاوية والحوز…).

وقد جرى تأطير وتكريس هذه الروح الإقليمية من خلال البنيات القبلية والعشائرية التي بقيت سائدة حتى بسط الحماية لنفوذها في المغرب وتقسيمه إلى ثلاث مناطق نفوذ )فرنسية، إسبانية ودولية).

بالإضافة إلى أن الهجرة القروية إلى المدن قد جعلت الأحزاب التي تمركزت كلها، إما بالعاصمة الإدارية أو الاقتصادية للمملكة، تتعرض لضغوط الهجرة بكل انعكاساتها الثقافية والسلوكية وتؤثر على المنخرطين في هذه الأحزاب. فالمنخرطون في هذه الأحزاب، وفي بعض الأحيان حتى القيادة الحزبية، غالبا ما يكونون متأثرين بل ومتشبعين بجذورهم القروية المؤسسة على نزوعات قبلية وإقليمية نظرا لعدم قطعهم الصلة بأصول آبائهم وأجدادهم وكذا للتربية الأسرية والعائلية التي تلقوها. وبالتالي فهم يعيدون إنتاج هذه السلوكات داخل مجالهم الحزبي. ونتيجة لذلك تتحدد التباينات والتموقعات داخل المجال الحزبي وفق المنحدرات الإقليمية للأعضاء داخل كل حزب من خلال إما محاور جهوية (محور الرباط ومحور الدار البيضاء كما هو عليه الشأن بالنسبة إلى الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية الذي كانت انشقاقاته تتم وفق هذا المعطى، فمحور الرباط الذي أسس الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية هو الذي تزعم الانشقاق على الاتحاد الوطني للقوات الشعبية الذي كان يجسد محور الدار البيضاء؛ ومحور البيضاء الذي أسس حزب الطليعة والمؤتمر الوطني الاتحادي قاد عملية الانشقاق على الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية الذي يجسد محور الرباط).

أو من خلال نزعات إقليمية التي تسود في عدة أحزاب مغربية كالنزعة الفاسية والمراكشية التي تحرك دينامية حزب الاستقلال.

بالإضافة إلى أن الانفصال الذي عرفه حزب التجمع الوطني للأحرار تم وفق نزعة “عروبية” ترتب عنها ظهور الحزب الوطني الديمقراطي. ولعل هذه الظاهرة ما زالت طاغية حتى في ظهور أحزاب ما سمي بالعهد الجديد؛ فحزب الأصالة والمعاصرة بالرغم من خطابه الحداثي غالبا ما يعكس نزعة إقليمية تمثلت في غلبة المكون الشمالي على تركيبته القيادية على المستوى الوطني أو الجهوي.

الذكورية

إن السمة الغالبة التي تميز الأحزاب المغربية هي غلبة الجانب الذكوري على بنية انخراطاته واستقطاباته وقياداته. فبالرغم من الثقل السكاني الذي تشغله النساء في البنية الديمغرافية المغربية وفائض القيمة الاقتصادية والاجتماعية الذي توفره هذه الشريحة؛ يبقى الوجود النسوي باهتا في المنظومة السياسية المغربية بما فيها المنظومة الحزبية بالمغرب.

ولا يمكن تفسير هذه الظاهرة إلا بالنزعة القبلية التي ما زالت تحرك العمل الحزبي بالمغرب، إذ من المعروف أن البناء القبلي كان يسير عادة وفق نمط ذكوري لا تلعب فيه النساء إلا “دور السبايا أو الحافظات للنسل”. في حين أن الحرب والسياسة هي من احتكار الذكور. ولعل هذه البنية هي التي ما زالت تطبع مختلف الأحزاب المغربية من خلال الهرمية القيادية التي تحتكر من لدن الذكور؛ ولا يتم إدخال بعض العناصر النسوية إلا لتأثيث ديكور القيادات الحزبية سواء على الصعيد المركزي أو الإقليمي أو المحلي. كما أن الهندسة الحزبية غالبا ما تكشف هذه النزعة الذكورية والأبوية؛ حيث عادة ما يتم تخصيص تنظيمات للمناضلات في إطار التنظيمات الموازية التابعة للأحزاب على غرار ما يتم تخصيصه للمناضلين الشباب وتأطيرهم في إطار ما يسمى بالشبيبات الحزبية. في الوقت الذي ينبغي أن يكون الحزب كمجال مفتوح لكل الفعاليات بدون تمييز جنسي أو عمري. فالمناضل أو المناضلة ينبغي أن يصبح عضوا كامل العضوية متى انخرط في الحزب، وعليه بالطبع أن يخضع فيما بعد لسلاليم الترقي الحزبي تبعا لمعايير الكفاءة والسلوك دون أي اعتبار لا للسن أو للجنس خاصة في مجتمع جل سكانه من الشباب والنساء.

-3-1 الغنيمة الحزبية

من المعروف أن الغزو مرتبط بالقبيلة؛ حيث يعتبر من ضمن مواردها خاصة في الظروف الاستثنائية. واستبطان الأحزاب لهذا المعطى حولها أيضا “القبائل” تبحث عن “الغنائم” وحول نخبها السياسية إلى شرائح تلهث وراء البحث عن المناصب والعطايا.

ولعل وعي السلطة المركزية بهذا المعطى السياسي والتاريخي هو الذي جعلها تركز على “الطريق الديمقراطي” لا كأساس للتغيير والإصلاح بل كمجال لاستقطاب النخب الحزبية ومخزنتها. فالإكثار من المجالس المحلية بما تتضمنه من مقاعد ومناصب؛ والتكثير من عدد المقاعد البرلمانية خاصة بعد تعديل دستور 1996 وخلق نظام الغرفتين؛ وكذا الإكثار من عدد الوزارات، خاصة في عهد حكومتي التناوب، بالإضافة إلى كثرة المناصب الإدارية سواء في المؤسسات العمومية وشبه العمومية، وخلق اللجان الملكية وتأسيس المجالس الملكية الاستشارية، والتعيينات الدبلوماسية في السفارات المغربية بالخارج… كل ذلك أصبح بمثابة مجال للتسابق والتنافس بين شرائح النخب الحزبية.

وبالتالي، تحولت الانتخابات إلى معارك حزبية للحصول على أكبر عدد من الأصوات للفوز بأكثر عدد ممكن من المقاعد والمناصب. وأصبح النضال الحزبي كـ”مغازي حزبية” للحصول على أكبر حصة من الغنيمة السياسية.

وهذا العراك لم يعد فقط مقتصرا على الأحزاب فيما بينها بل حتى داخلها؛ إذ تحول المجال الحزبي الداخلي إلى صراع بين مختلف الفئات التي تكونه؛ بحيث تحاول كل فئة أن تستولي على أكثر المقاعد القيادية حتى يسمح لها ذلك بالتموقع الانتخابي للحصول على المكاسب السياسية. وبالتالي فإن الاختلاف حول نسبة كوطا المقاعد القيادية كثيرا ما كانت وراء عدة انشقاقات حزبية.

2 – التحالف الحزبي

بالرغم من أن الأحزاب المغربية عرفت في الكثير من الأحيان تشرذمات وانشطارات وتناسلات متلاحقة؛ فإن ذلك لم يمنع من بحثها المتواصل على التوحد والتحالف. فبالنسبة إلى التحالف عرف التاريخ الحزبي في نهاية الخمسينيات اندماج حزب الإصلاح الوطني بزعامة عبد الخالق الطريس في حزب الاستقلال. كما كانت هناك محاولات من لدن بعض أعضاء حزب الشورى والاستقلال للانضمام إلى الاتحاد الوطني للقوات الشعبية في بداية تأسيسه.

لكن هذه المبادرات التوحيدية بقيت مع ذلك نادرة جدا؛ في الوقت الذي كان التحالف أداة لتعامل الأحزاب فيما بينها نتيجة لعدة عوامل من أهمها: مواجهة المخزن؛ أو احتواء المعارضة، أو البحث عن التموقع.

2–1 مواجهة المخزن

لعب المخزن دورا أساسيا ليس فقط في تقسيم الأحزاب بل أيضا في التحالف فيما بينها. فقد كانت للسياسة المخزنية المنتهجة في منتصف الستينات تأثير كبير على التحالف الذي انعقد بين حزب الاستقلال والاتحاد الوطني للقوات الشعبية، إذ إن الإعلان عن حالة الاستثناء والعمل على تكريسها من خلال دستور 1970؛ بالإضافة إلى الأوضاع الاقتصادية والسياسية والاجتماعية التي أفرزتها؛ كل ذلك دفع بهذين الحزبين “الغريمين” إلى العمل على إنشاء كتلة العمل الوطني الذي كان من بين أهدافها الرئيسية إرجاع العمل بالمؤسسات الدستورية. لكن بمجرد ما تم التفاوض بشأن دستور 1972 وتدشين المسلسل الديمقراطي انفرط عقد هذه الكتلة وعاد الحزبان الغريمان إلى الصراع: حزب الاستقلال من موقعه داخل الحكومة، والاتحاد الوطني للقوات الشعبية، بمقاطعته السياسية؛ والاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية من موقعه المعارض داخل مجلس النواب.

لكن أمام الوضعية الاقتصادية والاجتماعية المتردية؛ وبعد خروج حزب الاستقلال من الحكومة؛ حدث تقارب بين مختلف مكونات المعارضة وهذا الحزب لتتشكل الكتلة الديمقراطية التي انسحب منها الاتحاد الوطني للقوات الشعبية فيما بعد.

وقد حددت مكونات هذه الكتلة أهدافها في تحقيق التناوب السياسي بالمغرب؛ وذلك من خلال توسيع بعض صلاحيات الوزير الأول وإدخال بعض التعديلات على دستور 1972 وكذا تسهيل عملية الخلافة على العرش.

لكن لعب المخزن على خلافات مكونات الكتلة جعل التحالف بينها يتلاشى بالتدريج خاصة بعدما استحوذ الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية على أكبر حصة من الحقائب الوزارية ضمن الحكومة الائتلافية التي ترأسها الكاتب الأول السابق السيد عبد الرحمان اليوسفي.

-22 احتواء المعارضة

إن التحالف لم يقتصر فقط على أحزاب المعارضة؛ بل شمل أيضا الأحزاب الموالية للحكم. وقد لعب المخزن في هذا السياق دورا أساسيا لبلورة هذا التحالف. فمن أجل احتواء المعارضة في ستينيات القرن الـ20؛ شجع المخزن على قيام جبهة الدفاع عن المؤسسات الدستورية والتي لعب فيها أحد المقربين للحكم، الراحل رضى كديرة، دورا رئيسيا من خلال الصلاحيات التي كان يتوفر عليها نتيجة الوظائف الوزارية التي كان يتقلدها؛ وبالأخص وزارة الداخلية.

لكن بالرغم من مختلف كل التسهيلات والتشجيعات التي لقيتها هذه الحركة فسرعان ما دب الخلاف بين صفوفها نتيجة التباينات الشخصية بين زعمائها (كديرة – أحرضان) وكذا لعدم فعاليتها في مواجهة المعارضة داخل البرلمان؛ الشيء الذي أدى إلى فك الارتباط بين مكوناتها.

وللهدف نفسه أيضا، شجع المخزن، في شخص وزير الداخلية السابق السيد إدريس البصري،، بعض الأحزاب الموالية للحكم؛ في بداية تسعينيات القرن الـ20، على إقامة تحالف سياسي بينها وتكوين وفاق سياسي لمواجهة ومحاصرة نفوذ وامتداد الكتلة الديمقراطية. لكن هذا “الوفاق” سرعان ما تلاشى بسبب وفاة بعض قيادييه كالمعطي بوعبيد وفيما بعد عبد اللطيف السملالي؛ ونتيجة لضعف التنسيق بين مكوناته؛ وكذا للخلافات التي برزت بين صفوفه خاصة بعد إعفاء وزير الداخلية السابق إدريس البصري من مهامه بعد وفاة الملك الراحل الحسن الثاني. ولعل الأمر نفسه، حدث في مواجهة تصاعد حزب العدالة والتنمية، حيث تم العمل على تشكيل تحالف ما سمي بمجموعة الثمانية استعدادا للتحكم في دواليب الحكومة، قبل أن ينفرط هذا التحالف تحت ضغط الحراك الشعبي 20 فبراير 2011.

وعموما، فإن ترسبات الثقافة القبلية التي ما زالت تحرك المنظومة السياسية بالمغرب نظرا لتكريس الحماية لنظام المخزن، وعدم تعرض التركيبة المغربية لأية ثورة ثقافية أو سياسية، والسياسة التقليدانية التي أعادها بعثها نظام الملك الراحل الحسن الثاني، تجعل اللعبة السياسية الداخلية، بالرغم من تمظهراتها الدستورية والقانونية والانتخابية، أشبه بالسياسة القبلية المنتهجة من لدن المخزن في مواجهة القبائل، وفي تعامل القبائل فيما بينها، حيث ورثت الأحزاب بنية وسلوك القبائل، في حين حافظت السلطة المركزية على موروثها المخزني في تعاملها مع هذه الأحزاب.

‫تعليقات الزوار

14
  • elyuba
    السبت 10 دجنبر 2016 - 04:28

    محلل سياسي يستعير مفاهيم شعبوية لزعيم حزب سياسي ليفهم علميا النسق السياسي؟؟؟ حزب الاستقلال لم يكن الفاعل السياسي الوحيد قبل وبعد الاحتقلال ولا افهم باي منطق اكاديمي نقرا قانون التعددية الحزبية بخلفية مؤامرتية ضد حزب كان يقتل كل المعارضين له؟؟ مفهوم القبيلة يحتاج لفهم نظري انثروبولوجي اعمق من الاحكام المسبقة واللاعلمية التي تلصق به

  • Mohamed
    السبت 10 دجنبر 2016 - 04:43

    ان تفاقة الشيخ والمريد هي المتحكم الرئيسي في اللعبة السياسية بالمغرب . فال الاحزاب السياسية مند نشئت ها انبنت عل هذا المنوال بحكم ان ثقافة الزاوية هي التي تطبعت عليها النخب السياسية بحكم انها تنتمي في أغلبيتها ونشأت في المسيد الكتاتيب القرانية والأغلبية منهم إبان الفقهاء !!!
    المخزن له آليات تحكمية الامر الذي اعتمد عليه لترويض الزعامات السياسية الكرزمية ومن تم الاستمرارية رغم الزوابع التي شهدتها سنوات 72-73 . وكذا سنوات الكوميرة و83 وصولا الى 20 فبراير .

  • عبدارزاق
    السبت 10 دجنبر 2016 - 07:48

    لي دارها المخزن هي لي كاينا هذا ما قالته المراة العجوز

  • سابق
    السبت 10 دجنبر 2016 - 12:05

    استاذ تتجاهل جميع الاطروحات النظرية لتحليل الظاهرة الحزبية بالمغرب وتتبنى منطق المشاهدة والتحليل السطحي. وتتجاهل العوامل الاقتصادية والاجتماعية والطبقية انصحك بالعودة الى اطروحات الباتريمونيالية والباتريمونيالية الجديدة والانقسامية وجماعات المصالح واطروحة البازار … حتى لا تساهم في تخريب عقول المهتمين وتمييع المعرفة

  • Aissam
    السبت 10 دجنبر 2016 - 12:55

    الله يرحمك اسي ادريس…..رجل خدم الملك و الشعب

  • الطوفان قادم
    السبت 10 دجنبر 2016 - 16:03

    هذا هو مستوى الحوار الذي نطمح لرؤيته على صفحات هسبريس ، أستاذ طرح وجهة نظره ، و ردود عالية المستوى ، لا تعتمد نعيق و عويل القطيع الذي سئمنا من ردوده التافهة ، حتى إن كنت بعيدا عن هذا المجال فإني أستمع للرأي و الرأي الآخر و أستفيد ، شكرا هسبريس .

  • جاء في المقال ...
    الأحد 11 دجنبر 2016 - 01:41

    (اغتيال وتصفية بعض الزعامات الحزبية الراديكالية (كالمهدي بن بركة وعمر بن جلون وغيره) ..
    وجاء في كتاب ذاكرة ملك للحسن الثاني ما يلي :
    ج: أريد أن تعلم شيئا ، وهو أني مسلم مؤمن متمسك بأداء واجباتي الدينية ، …وعلى كل فإني مستعد في كل وقت لأقسم بالله أني وضعت أمام الأمر الواقع في حادث موت ابن بركة ولم تكن لي يد فيه سواء بإصدار الأوامر لتنفيذها أو غض النظر عنها ، إني أؤكد لكم مرة أخري أنه قد تم وضعي أمام الأمر الواقع وأني بريء تماما من إختفاء المهدي،..
    … إذ كيف يمكن أن يكون لي ضلع في موت إنسان بقي على الصعيد الشخصي قريبا مني ومرتبطا بي رغم الإختلاف السياسي. فالمهدي كان من بين أؤلئك الذين بإمكانهم أن يطلبوا مقابلتي في أي وقت و لم يكن في حاجة إلى اتباع البروتوكول للحصول على موعد لقد كنت أستقبله في أسرع وقت ممكن . وقد كان المهدي أستاذي لمدة أربع سنوات وكنت أتحدث إليه بدون تكلف ، وإليه يرجع الفضل في الرفع من مستواي في مادة الرياصيات التي لم أكن متفوقا فيها أثناء قيامي بالتحضير لاجتياز امتحان الباكلوريا ،وعلاوة على ذلك لم يكن بالنسبة لي أستاذا فقط بل أيضا مرشدا.

  • بين التزكية والشيطنة
    الأحد 11 دجنبر 2016 - 03:14

    تزكية المحكومين وشيطنة الحاكمين ، حكم يعتمد على الظنون ولا يتحرى الحقائق والإنصاف.
    وإذا قسنا الأمورعلى ذلك فسنعتبر جميع الخصومات التي تحدث بين الناس ، و حوادث السيرن وارتكاب الجرائم، من فعل أوتحريض المخزن.
    لما تأسس تنظيم "كتلة العمل الوطني" سنة 1936 ،إنشق عنه بلحسن الوزاني ، بسبب الخلاف بيه وبين علال الفاسي على الرئاسة ،فأسس "الحركة القومية " سنة 1937.
    فهل كان المخزن هو المحرض على هذا الإنشقاق ؟.
    ولما تأسس حزب الإستقلال سرا في القصر الملكي سنة 1944 وقدمت
    طائفته وثيقة المطالبة بالإستقلال يوم 11 يناير ، بادرت طائفة الحركة القومية بتقديم وثيقة مماثلة يوم 13 يناير من نفس السنة ، ثم أسس بلحسن الوزاني حزب الشورى والإستقلال سنة 1946.
    وبعد الإستقلال إضطهد أعضاء حزب الإستقلال أعضاء حزب الشورى وتم اغتيال بعض مناضليه .
    فطغيان وغرورحزب الإستقلال أدى إلى تأسيس الحركة الشعبية سنة 1958.
    ولما تولى الجناح التقدمي في حزب الإستقلال رئاسة الحكومة إنشق وأسس حزب الإتحاد الوطني للقوات الشعبية سنة 1959، فكان أول حزب إداري في المغرب.
    فالمخزن من موقع القيادة مضطر إلى الموائمة بين المتناقضات.

  • اذا كان المخزن...
    الأحد 11 دجنبر 2016 - 03:54

    …متهما بتصفية الاشتراكي المهدي بن بركة في فرنسا سنة 1965.
    فلماذا لا يكون متهما كذلك باغتيال الاشتراكي باتريس لومامبا في الكونغو سنة 1961. واغتيال الماركسي شي غيفارا في بوايفيا سنة 1967.واغتيال الاشتراكي سلفادور اليندي في الشيلي سنة 1973.؟

  • فوزي الصحراوي
    الأحد 11 دجنبر 2016 - 13:26

    هذا القول ليس صحيحا بالمرة.فرغم اتخاد هذه النزعة القبلية نن بعض النناس داخل بعض الاحزاب.فهي غالبا تكون مردودة عليه.لانا نحد او نقرا في تاريخ المغرب رفض الاغلبية من المغاربة.هذه التفرقة العنصرية بين المسلمين .لااقول بين المغاربة فقط.ففي حرب الاستقلال.قام المستعمر بخلق هذه النزعة بمساعدة بعض الحاقدين العملاء له.بطرح الظهير البربري.فرفضه المغاربة رفضا باثا.ووحدة المغاربة بكل اصنافهاضد المستعمر وعنلائه كنوا يسمونهم المعدمغاربة الوطنيين ب(البياعة).فان حول احد ان يركب على هذه انزعة الفبلية.؟فمعنى ذالك انه ضد الاسلام.وضد استقرار المغرب.وضد الوطنية امغربية.وضد الوحدة البشرية.

  • اللهم أفرغ صبرا ...
    الأحد 11 دجنبر 2016 - 16:02

    …على المخزن
    جاء المقال :
    (أما المخزن، فقد كانت سلطاته وصلاحياته بعيد الاستقلال تقوم بالأساس على الهيمنة والتحكم).
    المخزن يحافظ على التوازنات الإقتصادية والإجتماعية والسياسية القائمة داخليا وخارجيا ، ولا ينساق وراء الأيديولوجيات التي تسعى إلى قلب الأوضاع رأسا على عقب وتقويض ما هو قائم صالحه وطالحه ، لتعويضه بالموهوم.
    وهكذا كلما هبت ريح ايديولوجية ما من هنا أو هناك ، علمانية كانت أو دينية ، ولعبت خمرتها بعقول فئات من المتعلمين أو قادة أحزاب أو شيوخ طرق ، يجد المخزن متيقظا واقفا بصرامة ضد المغرضين لمنع الإنزلاقات و صيانة المكتسبات ، فكثر أعداء المخزن الذين كتبوا عنه بسوء ولا ينصفه إلا فشل أوهامهم في بلدان أخرى.

  • إصطلاح "المخزن"
    الأحد 11 دجنبر 2016 - 17:07

    في عهد بن تومرت إقتصرت التسمية على دار:
    ذكر أبوبكربن علي المكنى البيدق في مذكراته "أخبار المهدي بن تومرت"
    أن بن تومرت ألحق عبيدا أسرهم بعبيد "المخزن" وهي الدار المخصصة لخزن المؤونة ، والتي كان يحرسها العبيد.
    في عهد عبد المومن شملت التسمية خزينة الدولة
    ذكر بن القطان في نظم الجمان ص177
    وهو يتحدث عن عبد المؤمن :
    " ومنها أنه رضي الله تعالى عنه أحسن بضعف طلبة مجلسه المكرم من طلبة الحضرة منهم أبو محمد المالقي وغيره ، فقال لأشياخ الموحدين أعزهم الله تعالى : هؤلاء طلبة غرباء ضعفاء و الإقلال عليهم ظاهر ، فنرى أن ندفع لهم مالا نقارضهم فيه ، ويتجرون به ويردون السلف لنا ، فقالوا نعم ، فاسلفهم من مال "المخزن" ألف دينار لكل واحد منهم ، فكتسبوا منها وكانت أصل غناهم ، ولم يأخذها منهم أبدا "
    ثم صارت التسمية تطلق على الجهاز الحكومي.
    النظام المخزني في المغرب المبني على القوة ، أسسه بن تومرت حيت أنه ألف "مجلس العشرة" وهم أهل الرأي من أصحاب الحل والعقد وعليهم يعتمد المخزن في المشورة واتخاذ القرارات .
    ثم ألف مجلس الخمسين من ممثلي القبائل وهم الأعيان الذين يعتمد عليهم المخزن في تنفيذ قراراته.

  • المخزن يوحد القبائل
    الأحد 11 دجنبر 2016 - 18:40

    إذا كان قادة الأحزاب قبليون يميلون إلى التنازع و التنافر، فإن المخزن على العكس يسعى لتوحيد القبائل. تاريخ توحيد شعوب وقبائل شمال إفريقيا حافل بالأمثلة.
    كانت قبائل الأمازيغ خاضعة لنفوذ البزنطيين فجاء الإسلام وحررها ووحدها وحولها إلى قوة زحفت على أوروبا.
    وكانت موزعة بين المذاهب الخوارجية ، فوحدتها قبائل أوربة حول المولى إدريس على الكتاب والسنة.
    وحدها المرابطون وأنقذوا بها الأندلس من قبضة النصارى ، أما الموحدون فادمجوا القبائل الوافدة من أعراب هلال و سليم ومعقل ووحدوها مع القبائل الأمازيغية ودافعوا بالجميع عن الإسلام في الأندلس و اسسوا أقوى امبراطورية في حوض البحر المتوسط.
    وحدها المرينيون ودافعوا عن الثغور ثم وحدها السعديون والعلويون وحرروا بها الثغور.
    سعى محمد الخامس إلى توحيد قبائل موريتانيا مع قبائل المغرب ، فتحالف ولد دادة وبورقيبة مع فرنسا ولم يتحقق المبتغى.
    وكذلك فعل الحسن الثاني لما عزم على استرجاع الصحراء حيث سعى إلى توحيد قبائل موريتانيا والصحراء والمغرب ، فتحالف بومدين مع إسبانيا ودمر الوحدة المغاربية.
    وكان المخزن دائما يحارب القبائل السائبة الإنفصالية ويحرص على الوحدة.

  • محامي بهيأة وجدة
    الإثنين 12 دجنبر 2016 - 08:42

    أكبر غلطة و أكبر خطأ ارتكبه اليوسفي في حياته السياسية أنه شارك البصري في الحكومة ، و من هنا بدأ الاختراق و انهيار الاتحاد الاشتراكي و زاد كمل عليها السي لشكر لي يموت على الكرسي و من كثرة أنه تقيل في الميزان لا يقدر على تركه ما كرهش يبقى جالس عليه طول حياته حتى يتكسر تحتو هذاك الكرسي لي يتهربو منو الرجال العظماء من شدة خوفهم من تحمل المسؤولية.

صوت وصورة
أجانب يتابعون التراويح بمراكش
الخميس 28 مارس 2024 - 00:30 1

أجانب يتابعون التراويح بمراكش

صوت وصورة
خارجون عن القانون | الفقر والقتل
الأربعاء 27 مارس 2024 - 23:30

خارجون عن القانون | الفقر والقتل

صوت وصورة
مع الصديق معنينو | الزاوية الدلائية
الأربعاء 27 مارس 2024 - 23:00

مع الصديق معنينو | الزاوية الدلائية

صوت وصورة
ريمونتادا | رضى بنيس
الأربعاء 27 مارس 2024 - 22:45 1

ريمونتادا | رضى بنيس

صوت وصورة
الحومة | بشرى أهريش
الأربعاء 27 مارس 2024 - 21:30

الحومة | بشرى أهريش

صوت وصورة
احتجاج أساتذة موقوفين
الأربعاء 27 مارس 2024 - 20:30 5

احتجاج أساتذة موقوفين