هذه تجليات الفرجة الشعبية بمنطقة الغرب في عهد الحماية

هذه تجليات الفرجة الشعبية بمنطقة الغرب في عهد الحماية
السبت 19 نونبر 2016 - 03:00

يعكس فعل الفرجة بمنطقة الغرب الواقع الاجتماعي الذي تتفاعل فيه مجموعة من القيم والعادات والأعراف السائدة، فلا يمكن فصله عن محيطه الجغرافي والاقتصادي، ومن صميم هذا التفاعل تشكل وعيه بالذات والأشياء والعالم المحيط به عبر حركية تاريخه، التي سجل فيها صفحات نضاله المستميت لإثبات وجوده، وهو يتحدى سلطات الاحتلال، لأنه واجهها أثناء عهد الحماية، حيث كانت الأسواق الأسبوعية بالبوادي والمدن والقرى الفضاء المناسب لترويج مواقف تسخر من سياسة المستعمر وبرامجه.

ونتج عن صدمة مصادرة أراضي الإنسان الغرباوي أنه أصبح إنسانا انطوائيا لا يقدر على الحركة سوى مواكبته للمواسم وزيارة الأضرحة، عسى أن تخفف عنه بعض الآلام لنسيان ماضي أجداده، الذين ذهبوا ضحية جشع الاستغلال والتسلط من قبل المستعمر وأذنابه.

وحسب رأي بعض الباحثين أن المستعمر مارس كل أنواع الظلم والعذاب على الإنسان الغرباوي؛ مثل وضعه في المطامير مع الحيوانات كالكلاب والقطط، وكذلك في السجون (بوسلهام الگط، “المقاومة في التراث الشعبي بين الكلمة والفعل والحركة”، المطبعة السريعة، القنيطرة المغرب، الطبعة،2011، ص: 185). وهذا الأمر يحكيه ويرويه كثير من الشيوخ والناس في حد كورت والخنيشات وجرف الملحة، مما كان له انعكاس خطير في تكوين شخصية الإنسان الغرباوي (المرجع السابق نفسه، ن ص: 185).

وفي هذا السياق كانت دار “اضمانة” ملجأ ومتنفسا له، حين يشتد به الألم “فهي ملاذ الخائف وحمى الذي لا حماية له، ومعلمة الفضائل، ومؤاخية بين الناس، ومداوية لكل الجراح، وحلالة للمشاكل” (المرجع السابق نفسه، ص: 210).

وقد لعب شيوخ الحلقة الكبار دورا بارزا، إذ كانوا يتقنون ويجيدون فن السخرية والزجل، أمثال الثنائي “الزميميري وولد بوالليل”، و”الصلعي” و”ولدمطيشة” و”بوجمعة” و”بنعيسى الكيحل” و”ولد الجابوري”…، وهؤلاء جميعا كانوا يصدرون أقوالهم بطريقة عفوية وارتجالية يشخصون ويتقمصون أدوارا متنوعة تجسد ما كان يقوم به المستعمر وعملاؤه من تحرشات وممارسات لا إنسانية اتجاه المواطن المغربي.

وتأسيسا على ما سبق، فسكان منطقة الغرب يتميزون بعشق شديد إلى المتعة والتسلية، حتى وإن كانت ظروف العيش لديهم جد قاسية أحيانا من جراء توالي سنوات الجفاف والفيضانات، وبما أن جل فلاحي المنطقة لا يمتلكون أراض كثيرة سوى أراضي الجموع، نظرا لتعرضها للمصادرة من قبل المستعمر، فإنهم كانوا يضطرون إلى كسب قوتهم اليومي عبر العمل في الضيعات، المجاورة لمقر سكناهم، قصد توفير مقابل مادي يمكنهم من اقتناء بعض مستلزمات حياتهم اليومية البسيطة.

وعليه، فالأرض كما كانت بالنسبة إلى الإنسان الغرباوي مصدر رزقه وأساس شعوره بكينونته، فهي كذلك مصدر إلهامه في أفراحه وأتراحه ومن تفاعله الحي مع أجوائها، اكتسب تلك الروح المرحة، روح الدعابة والنكتة والفكاهة الساخرة، جسدها عبر كل الأشكال الفرجوية المتمثلة في عيساوة والمتارف والهيت والخيالة والسبع بولبطاين وسلطان الطلبة واعبيدات الرمى وجيلالة وگناوة وحمادشة وجيلالة… التي تزخر بها المنطقة كذاكرة شعبية تؤرخ لهذا المخزون، الذي يختزل حميمية علاقته بالأرض، التي طالما تغنى بها تعبيرا عن العشق الأبدي سعيا إلى التودد إليها واسترضائها، حتى في أحلك لحظات غضبها وعنفوانها إيمان آمنه وحتمية الأقدار التي تمثل الجانب الآخر من بنائه الروحي “فالأرض جنة، الأرض منفى يفيض النهر، قرابين كالعادة، الأمر بسيط والحمد لله أن الخسارة طفيفة «الله يسر ولا يعسر»! والأرض تعطي بسخاء، كل شيء عاد مواسم التبويردة، زيارة الأولياء الصالحين، ركاب الجذبة إلى الهادي بنعيسى هدى الله من اهتدى يهديه!! وها هو الجسد المرسوم بالوشم والحناء ينضح نشوة على نغمات الطبلة والمزمار والهيت!!” (ع. شغموم، عمال الفيرمات موت غير معلن، منطقة الغرب.. تأملات سريعة، الملحق الأسبوعي لجريدة الاتحاد الاشتراكي، السبت 11 يوليوز 1987، عدد 24، ص: 3).

فبالرغم من ما يعترض الفلاح الغرباوي من متاعب، يظل يحتفظ بمساحة واسعة من الأمل في انتظاراته وانسيابية أفكاره ومشاعره عبر الماضي والحاضر والمستقبل. ينخرط في صميم واقعه ويحمد لله على فيض خيره ولطف قضائه لا يتوقف عن الانخراط في كل المناسبات التي تضمن متنفسا لاستكشاف عمقه الفرجوي وهو حارس عليه بالرغم من العناء وضيق العيش، فهو لا يتوانى عن المشاركة في فضاء الفرجة الموسمية، سواء كانت عرسا أو حفلا أو حضور أحد الأولياء الصالحين للتمتع بمشاهدة الفروسية ولعبة التبوريدة والمشاركة في رقصة الهيت.

“ما العمر إلا يوم أو ليلة، وبعد اليوم أو الليلة، فليكن ما يكون «الكاليش» جاهز والعود مربوط والسوق مساحة للإنفاق والتخلص من المكبوت، ولا وقت للتفكير” (إدريس كرم، “الأدب الشعبي بالمغرب الأدوار والعلاقات في ظل العصرنة، ص: 210).

ومن المأثورات الشعبية التي تجسد تعلق الإنسان الغرباوي بالأضرحة وأولياء الله الصالحين نورد هذه المقاطع: “نذكر الصلا على النبي سمعوا هيا الحاضرين

سيدي سليمان الوالي يا نوارة الصالحين

سيدي جابر يا الوالي مال احناكك رايبين

سيدي قاسم يا الوالي فيك النصارى عابدين”.. (نفسه، ن، ص: 210)

تجسد هذه المقاطع الزجلية الشفهية الشعبية الواقع الذي آلت إليه الأماكن المقدسة، من جراء قيام المستعمر الفرنسي بانتهاك حرمة ضريح الولي الشريف. ويتضح هذا في تساؤل المغني عن سبب تهدم حيطان أحد الأولياء، ويتعجب كيف أن النصارى يوجدون في ضريح سيدي قاسم.

وعلى أي، فالفرجة الشعبية في العهد الاستعماري لم تجسد المظاهر الترفيهية فحسب، بقدر ما كانت تعبيرا يستشف منها معاناة وآلام الإنسان المغربي البدوي، الذي كان يقف حائرا أمام وضعيته الاجتماعية المستلبة. ومما زاد في الطين بلة أنه بعد الاستقلال ازدادت الوضعية تأزما، لأن جل الأراضي التي صودرت من مالكيها ولم تسلم إلى مالكيها الأصليين، إلى حدود يومنا هذا.

وعلى هذا الأساس، لم تعد قيمة الولي مطلقة، كما كانت في السابق؛ بل أضحت نسبية ومحدودة.

* باحث في الثقافة الشعبية

– ملحوظة للقارئ: هذا البحث لا ينبعث من تعصب إقليمي محلي أو قبلي، بقدر ما يراهن على إبراز بعض المساهمات النضالية، التي ساهم فيها سكان منطقة الغرب في عهد الحماية الفرنسية إلى جانب جميع سكان القبائل المغربية الأخرى.

‫تعليقات الزوار

15
  • free
    السبت 19 نونبر 2016 - 03:20

    يا سلام على فرجة زمان. البساطة و متعة الفرجة.
    الآن آلاف و ملايين الإذاعات و المتعة مفقودة. دون نسيان إذاعتنا المغربية المعطوبة.

  • Kraimi Abdelilah
    السبت 19 نونبر 2016 - 06:20

    Merci pour l article qui donne une idée sur l histoire de cette région et ses hommes qui est maintenant oublié à coomparer avec les autres régions du Maroc qui connaissent une évolution.
    Je souhaiterais dans la mesure du possible sur la situation économique de cette région dans le passé et maintenant.
    Merci encore.
    Un gharbaoui

  • imohamed Gharbaou
    السبت 19 نونبر 2016 - 06:56

    Un grand merci à l'auteur de cet article

  • glioula mohamed
    السبت 19 نونبر 2016 - 07:15

    نﻻ حظ اخي الكريم ان جميع المناطق اخدت حقها من اﻻهتمام سواء على مستوى البحث او التعريف اﻻ هذه المنطقة فكثيرا مانسمع انها اهلها من اغنى المناطق باامغرب وهذا افتراء اهل المنطقةاكثرالمغاربة هشاشة.اما مشكل اﻻراضي المصادرةاوالمزعة بين اﻻعيان والغرباء عن الغرب فتلك قصص اخرى .هناك من يدعي ان الغرب كان منطقة خالية من السكان بل العكس هي من المناطقا اﻻولى التي كانت بها حضارة لوجود الماء واﻻراضي الصالحة للزراعة…

  • maystro
    السبت 19 نونبر 2016 - 07:31

    انا من سكان المنطقة اتسائا اين هي اراض الفلاحين اين ذهبت بعد الاستقلال لقد خرج الاستعمار الخاجي وعوضه الاستعمار الداخلي هذا هو الموضوع الذي يجب التحدث عنه وليس حمادشة او جيلالة

  • غرباوي منسي
    السبت 19 نونبر 2016 - 09:33

    الأراضي المستصدرة من طرف المستعمر لم ترجع إلى اصحابها بل اخذها المستعمرون الجدد من ابناء جلدتنا

  • المغربي الحر
    السبت 19 نونبر 2016 - 09:41

    الفرجة الشعبية وان لم نشاهدها احسن بكثير من قنوات الصرف لا صحي .

  • harrokki
    السبت 19 نونبر 2016 - 10:19

    D'après la photo est ce que vous pouvez dire que ce sont des chiakhes professionnels !!!! D'après notre culture berbéro-arabo-musulmane , on doit fêter nos mariages , donc on chante et on danse pendant nos fêtes , mais des dépravés " chiakhes " notre culture les a toujours dénoncé pour la simple raison c'était a ça reste le déchet de la société des vulgaire personnages!! Très simple est ce que vous pouvez écouter chiakhes avec vos parents ? Si c'est oui, nous n'avons pas les mêmes valeurs

  • محمد بن عبد الله رسول الله
    السبت 19 نونبر 2016 - 10:45

    قلت :«ومن المأثورات الشعبية التي تجسد تعلق الإنسان الغرباوي بالأضرحة وأولياء الله الصالحين»
    أليس من الواجب عليك يا سغادة المثقف أن تنبه القارئ على مختلف شرائحه أن زيارة الأضرحة و "الأولياء" محرمة و تصل إلى حد الشرك الأكبر كالذي يدعو الشيخ الكامل أو الهادي بن عيسى و غيره بأن يرزقه المال و الأولاد و يطلب منهم الشفاء و يذبح لهم و الله تعالى يقول {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ } قال الرسول(الدعاء هو العبادة) فإن كان كذلك فصرفه لغير الله شرك بالله و قال تعالى {فصل لربك و انحر} فالذبح لغير الله شرك أكبر،فيا رعاكم الله و حفظكم و جعلكم من أهل الجنة احذروا الوقوع في الشرك فالله لا يغفره و يغفر ما دونه، و الله المستعان .

  • gharbawi
    السبت 19 نونبر 2016 - 10:50

    صراحة الثرات الغرباوي ظل مهملا اعلاميا وثقافيا وغياب اي مجهود للحفاظ عليه فالعديد من الاشكال الفرجوية اندثرت و تندثر يجب على المسؤولين اخد بعين الاعتبار للفرجة الشعبوية

  • harrokki
    السبت 19 نونبر 2016 - 10:50

    D'après la photo c'est un conteur ce n'est ni un chikhe ni un danseur de ventre …….dans notre culture et chez nos ancêtres il n y avait pas de chiakhes hachakom et la musique c'était pendant leurs mariages point

  • احد ابناء المنطقة
    السبت 19 نونبر 2016 - 12:01

    هذه الايام نعيش ذكرى الاسقلال من المستعمر الخارجي الفرنسي و ماذا عن المستعمر الذاخلي الذي عوضه و الذي جعل منطقة الغرب تعيش هشاشة على جميع المستويات: اجتماعية و اقتصادية وسياسية وتقافية و رياضيةو ……

  • عبدالله صدقي
    الأحد 20 نونبر 2016 - 00:36

    مساهمة تكشف عن ما تزخر به منطقة الغرب من تراث والذي ما زال يحتاج الى المزيد من البحث والتنقيب اذا كانت هذه الدراسة قد كشفت عن جانب من انواع التراث بهذا السهل ، فان المنطقة في أمس الحاجة الى مزيد من الاهتمام ليس فقط على مستوى التراث فحسب بل هناك جوانب اخرى سوسيولوجية واقتصادية وفنية ووووو في حاجة الى الى الكشف عن ما تخفيه من كنوز ، على كل حال الاستاد موسوً قدم لنا دراسة مهمة وعلى باقي الباحثين والدارسين كل في مجال اختصاصه العمل على دراسة اوضاع المجال الغرباوي الحسناوي من كل جوانبه فهو مجال خصب ، انه نداء لكل. ألمهتمين بالتنمية المجالية وخاصة أبناء هذه المنطقة

  • المغربي
    الأحد 20 نونبر 2016 - 11:16

    وكلنا كدلك من طنجة إلى الكويرة نعتز بمغربيتنا رغم الفقر والهشاشة نظل مسلمين و مسالمين
    في أعيننا الف وألف تعبير عن حالنا
    وفي رقصات فلكلورنا الف صورة و طيف يخفي مشاعرنا
    نكتنا حكمة…..امثالنا مدرسة وعبرة…
    ما زادتنا الأيام إلا الصمود
    لا تنحني رؤوسنا للجمود
    كلنا أطلس أسود.
    لا نخشى لا العواصف ولا العواصم
    نعتلي الأعالي والقمم
    شامخين منتصبي الهمم

  • محمد الجرطي
    الأربعاء 23 نونبر 2016 - 21:14

    نشكر الدكتور موسى فقير على هذه الدراسة المتميزة لانماط الفرجة بمنطقة الغرب في فترة الحماية الفرنسية حيث سلط الضوء على تجليات وأشكال الفرجة بهذه المنطقة الزاخرة بالتقاليد العريقة. فضلا عن ذلك اشار الدكتور الباحث موسى فقير الى المزاج الشعبي للانسان القاطن بهذه المنطقة والذي يفضل المرح بعيدا عن الانطوائية والعزلة. نوجه تحية عالية للدكتور موسى فقير مع أملنا في أن يواصل مسيرته العلمية بامتياز

صوت وصورة
مؤتمر الأغذية والزراعة لإفريقيا
الخميس 18 أبريل 2024 - 16:06

مؤتمر الأغذية والزراعة لإفريقيا

صوت وصورة
الحكومة واستيراد أضاحي العيد
الخميس 18 أبريل 2024 - 14:49

الحكومة واستيراد أضاحي العيد

صوت وصورة
بايتاس وتأجيل الحصيلة الحكومية
الخميس 18 أبريل 2024 - 14:36

بايتاس وتأجيل الحصيلة الحكومية

صوت وصورة
هلال يتصدى لكذب الجزائر
الخميس 18 أبريل 2024 - 13:45

هلال يتصدى لكذب الجزائر

صوت وصورة
مع المخرج نبيل الحمري
الخميس 18 أبريل 2024 - 13:17

مع المخرج نبيل الحمري

صوت وصورة
عريضة من أجل نظافة الجديدة
الخميس 18 أبريل 2024 - 12:17

عريضة من أجل نظافة الجديدة