لحسين بين الهجرة والتنميّة: جُرح الطفولة وتبعات "أحداث 1965"

لحسين بين الهجرة والتنميّة: جُرح الطفولة وتبعات "أحداث 1965"
الأحد 10 يوليوز 2016 - 07:00

من جبال سوس الحمراء إلى جبال الألب الثلجية بفرنسا تمتد قصة حياة جمال لحوسين. هو فلاح ابن فلاح ولد في سوس (قرب مدينة تاليوين). طرد من المدرسة فهاجر إلى فرنسا للعمل في الأفران المشتعلة لشركة الأليمنيوم “بيشيني”.

وخلال مساره الطويل والصعب، التقى جمال بشخصيات سياسية واقتصادية كبيرة في فرنسا منهم وزراء أولين مثل “لوران فابيوس” و”بيير موروا”، ورئيس شركة “بيشيني” للأليمنيوم ورئيس شركة “رونو” للسيارات “جورج بيس”… حيث تفاوض معهم جميعا، الند للند، باسم نقابة “سي إ فدي طي” CFDT بهدف تحسين ظروف عيش العمال المغاربة في هذا البلد.

وبموازاة ذلك لم ينس بلده المغرب، حيث عاد إليه ليؤسس في منطقة سوس جمعية “الهجرة والتنمية”. وهي إحدى أقوى الجمعيات وأكثرها مصداقية في المغرب حيث تعمل منذ 30 سنة على تقديم خدمات كبرى لمنطقة سوس في مجالات الماء والكهرباء والطرق والتعليم والتنمية المحلية مثل زراعة الزعفران وإطلاق مهرجان تاليوين للزعفران.

في 2003 عاش جمال لحسين تجربة فاشلة في الإنتخابات الجماعية بسبب التزوير والفساد. ثم التقى بالملك محمد السادس بعد نجاح جمعيته، كما التقى بالوزير الأول عبد اللطيف الفيلالي وبوزير التعليم رشيد بلمختار لتسهيل فتح مدارس لمحاربة الأمية.

وكانت الصحفية الكبيرة زكية داوود قد خصصت كتابين اثنين لدراسة تجربة جمعية “الهجرة والتنمية”. واليوم صدرت السيرة الذاتية لمؤسس الجمعية جمال لحسين بقلم الصحفي الفرنسي إيف بورون (عن دار النشر الفرنسية بيبلوسيد).

إنها سيرة بمثابة تحية للمهاجرين المغاربة عموما وللعمل الجمعوي. في الحياة كلنا نهاجر إلى فكرة ما أو إلى مكان ما، كما يقول المفكر الكبير عبد الله العروي.

الحلقة 2

كان والدي يشعر بأنه فشل مع أخوي الكبيرين لأنهما لم ينجحا في الدراسة ولهذا لم يتردد لحظة واحدة في أن يجعلني، أنا ابنه الثالث، أهاجر في 12 من العمر بعد أن استطعت الحصول على الشهادة الابتدائية وكان ذلك الفراق هو أول جرح في الطفولة.

وفي 1965 رافقني إذن على متن الحافلة إلى مدينة وارزازات التي تبعد بـ160 كلم عن “إمكون” ليسجلني في الثانوية. لم تكن لديه الإمكانيات المادية ليسجلني في مدرسة داخلية فوجد لي سريرا داخل إحدى الخيريات. وعندما غادرني بكيت طويلا. وقد تم تسجيلي في قسم الملاحظة وبعدها انتقلت إلى مستوى السنة السادسة، وكنت لا أعرف أي أحد وأشعر بالوحدة.

كان عددنا كبيرا جدا في تلك الثانوية التي كانت تدرس إلى حدود الباكلوريا. المعلمون المغاربة الوحيدون كانوا يدرسوننا العربية والقرآن ويضربوننا على أيدينا وأصابعنا، أما باقي المعلمين فكانوا فرنسيين وكانت حصص الدرس معهم تمر بشكل جيد رغم صعوبة فهمنا للغة الفرنسية.

(…) في مارس 1965 نظمت عدة مظاهرات لمساندة الإحتجاجات التي قام بها تلاميذ الثانويات في الدار البيضاء ثم وقعت مواجهات واصطدامات، ورفع شبان ثانويتنا شعارات ضد الشرطة والدولة للمطالبة بالحق في التعليم وفي العدالة.

وأخذ أحد الشباب الكلمة وأعلن أمامنا بأن “الشرطة قامت بالهجوم على المتظاهرين في مراكش والدار البيضاء” وصار يشجعنا على التضامن معهم. وكانت هذه المظاهرات مدعومة من قبل العديد من التنظيمات الشيوعية والماركسية اللينينية والتروتسكية والماوية وذلك حسب الحالات والجهات.

لم نكن نعرف كل هذه التنظيمات وأنواعها لكننا كنا نعرف أبراهام السرفاتي وبن بركة وبن جلون فكنا نرفع الشعارات ضد الدستور وللإحتجاج على غياب الديمقراطية كما كنا نستغل الفرصة للمطالبة بالإعتراف بحقوق التلاميذ ومنها حق الحصول على منح للتلاميذ لكن الإدارة كانت تعتبر أن جميع المعارضين هم معارضون للملك.

(…) في نهاية سنتي الثالثة من الثانوي أي في العام 1968 كنا حوالي 15 تلميذا حصلنا على نقط جيدة وعدنا فرحين مرتاحي البال إلى قريتنا لقضاء العطلة، لكن وبعد مرور بضعة أيام سيتوصل والداي بمراسلة من مدير المدرسة تخبرهما بأنني سأكرر القسم. عندما وصلت تلك الرسالة إلى البيت قلت إن الأمر غير ممكن وإن هناك خطأ ما فعدت إلى الثانوية لأتأكد من النقط التي حصلت عليها وكانت أكثر من 15 على 20.

(…) قمنا جميعا، وكنا حوالي خمسين تلميذا، برفقة بعض الأساتذة باحتجاجات كبيرة في الثانوية ورفعنا شعارات تقول: “لا للتضحية بأجيال من التلاميذ”. ويبقى السؤال هو هل كان المدير ينفذ فقط أوامر وزارة التعليم لأنها فرضت كوطا للنجاح؟ أم أنه اتخذ تلك القرارات لإرضاء الإدارة؟

الجواب لن نعرفه أبدا، ربما لم يكن هناك سوى 4000 مقعد في الثانوية في الوقت الذي كانت تلك المنطقة تزخر بحوالي 6000 تلميذ، وبالتالي كان ينبغي إبعاد التلاميذ الذين كانوا سيثيرون أقل ما يمكن من المشاكل فكان أسهل حل هو إبعاد أبناء الفقراء والإبقاء على أبناء ذوي النفوذ وزملاء العمل والأشخاص الذين لهم مراتب عليا في الإدارة.

يتبع…

* من كتاب: “جمال لحسين – قصة نضال من أجل الهجرة والتنمية” ـ يُنشر على هسبريس بتقسيم على حلقات يومية.

‫تعليقات الزوار

6
  • ايت علي
    الأحد 10 يوليوز 2016 - 07:44

    وصفة لاصلاح التعليم المغربي في الجملة التالية…..قراءتها بتمعن و تدبر يكفيان من كل برامج الاصلاح وووو الجملة هي….
    المعلمون المغاربة الوحيدون كانوا يدرسوننا العربية والقرآن ويضربوننا على أيدينا وأصابعنا، أما باقي المعلمين فكانوا فرنسيين وكانت حصص الدرس معهم تمر بشكل جيد رغم صعوبة فهمنا للغة الفرنسية.
    ————————————————-
    اتدكر جيدا معلم الفرنسية المغربي الرباطي سي لحسن سعودي كيف يقلب القسم الى مجزرة و يكيل لنا ابناء فقراء الامازيغ من التهم و الشتائم ما يشاء شتائم ساقطة جدا ..بلحيثه الكثة كان و غيره يرفضون و يمقتون تعيينهم بين تلك الجبال مع اولئك القرويون اامازيغ المتخلفين …كان يردد على مسمامعنا دائما انا ولد الرباط انا ساكن حدا القصر…لم نكن نعرف ماهو القصر ولا ماهي الرباط…كل ما نعرفه ان تلك المدينة تبتلع اباءنا و اقاربنا في مواسم الهجرة….لن اسامح دالك المعلم ما حييت

  • bassou o haddou
    الأحد 10 يوليوز 2016 - 12:03

    دكرتني بايام الابتدائي اواخر السبعينات في احدى قرى الاطلس اتدكر سراويل المعلمين patte d’éléphant كما اتدكر معلما كان يصنع لوحات فنية فريدة في التاريخ البشري حيت انه كان يصنع اشكالا من مادة تشبه العجينة حاليا واتدكر انه صنع تعبانا ويقوم بتزويقه وتزيينه بواسطة حشرات القمل التي كان يلتقطها من فوق جلباب تلميد على مستوى الرقبة ’ في كل حصة يقوم بنفس الفعل الى ان تم تزيين التعبان بالكامل , ولالااشارة القمل في دالك الوقت منتشر في كل مكان اتدكر انني كنت اعاني منه ايضا واتدكر انني كنت افتح الكتاب وامشط شعري الى الامام لتتساقط تلك الكائنات بالوان متنوعة كما اتدكر امي وجدتي يتبادلان الادوار حيت تبحت كل واحدة في راس الاخرى بالتناوب بحتا عن ,,اوطن,, وتعني بيض تلك الحشرة الصغيرة الساكنة في اجسامنا وعند العتور على تلك البيضة البيضاء تقتلها في عين المكان بتفجيرها بين ظفري الابهامين محدتتا رنتنا خفيفة
    معدرة على الازعاج اللفظي والتخيلي لكنه حقيقة مررنا منه في تلك المنطقة النائية من جبال الاطلس

  • ازيلال
    الأحد 10 يوليوز 2016 - 14:56

    ادين بما اتمتع به من حقوق حاليا ولو كانت غير كافية لهذا الجيل الدي ضحى من اجلنا فعلا كنتم رجالا بمعنى الكلمة كم نحن في امس الحاجة الى مثل هذا الجيل حاليا لان الواقع يدمي القلب صراحة حيث اصبح كل من يطالب بحقوقه مثيرا للفتنة وعميلا بالاضافة الى ان اغلب الشباب غير واع و اناني كل مايهمه هو الفتيات و الملابس و السيارات و الحفلات لاتهمه حقوق ولا كرامة لا يبالي بمعاناة الاخرين عندما يحكي لي جدي عن التعذيب الدي تعرض له ابان هذه الفترة ابكي رغم انه شارك في صفوف المقاومة الى جانب احمد احنصال بازيلال الا ان مواقفه التي كانت مساندة للمتظاهرين دفعت النظام الى اعتقاله و تعذيبه رفقة اصدقائه الدين توفي اغلبهم من شدة التعديب او تسميم بعضهم و لازالت اثار التعديب بادية على جسده الى يومنا هذا

  • Moha
    الأحد 10 يوليوز 2016 - 15:46

    Je fais partie de cette génération. Il est impossible de doubler la classe avec une moyenne supérieure a 13/20. Alors Si lhoucine doit dire la vérité.

  • Sustainable development
    الأحد 10 يوليوز 2016 - 16:41

    جمعية أسست للاغراض شخصية.، كما هو معروف ان جمال الحسين قام باستغلال موارد الجمعية و التي هي في الأصل مساهمات المهاجرين من أبناء المنطقة من جهة، ومن جهة اخرى عبارة عن هبات فرنسية من اجل تنمية المنطقة. و عن اي فساد سياسي تتحدثون، السيد جمال كما هو معروف خسر الانتخابات لانه بذاته خالي من المصداقية،. بخلاصة لم تأتي جمعيته بجديد يذكر، و كل المشاريع الموجودة في المنطقة دشنت من طرف صاحب الجلالة . انشر للتوضيح

  • تالوين
    الأحد 10 يوليوز 2016 - 20:43

    Bonsoir, je suis de taliouine. Je sais bien ce que lui a fait pour le developpement de cette region et aussi pour les immigrés. Je commence par le developpement!!! Rien et rien n etait fait seulement grand bruit et l'impact est zero: projets non rentables etleurs frais sont superieur a ceux pratique par la concurrance. Alors aucun developpement reel pour la region au contraire frais de plus sur les habitants. Pour les immigrés:il a facilité le départ de nombreux personnes qui ont travaille a cette usine « il les a vendu contre quelque sentime d'argent. Il y'a beaucoup de personne qui les a trempé et ils ont pri argent de depart qui sont des sentimes. Tous ca la fait et on donne a lui l'importance. Je sens mal pour tous ca.e

صوت وصورة
الفهم عن الله | إصلاح العيوب
الخميس 28 مارس 2024 - 18:00

الفهم عن الله | إصلاح العيوب

صوت وصورة
وزير النقل وامتحان السياقة
الخميس 28 مارس 2024 - 16:02 4

وزير النقل وامتحان السياقة

صوت وصورة
صحتك النفسانية | الزواج
الخميس 28 مارس 2024 - 16:00 1

صحتك النفسانية | الزواج

صوت وصورة
نقابة الممرضين تعتصم بالبيضاء
الخميس 28 مارس 2024 - 15:40 1

نقابة الممرضين تعتصم بالبيضاء

صوت وصورة
ما لم يحك | البصري وتبذير الأموال
الخميس 28 مارس 2024 - 15:00 2

ما لم يحك | البصري وتبذير الأموال

صوت وصورة
الأمطار تنعش الفلاحة
الخميس 28 مارس 2024 - 13:12 3

الأمطار تنعش الفلاحة