فيلم "هارييت" .. كاميرا سياسية تراهن على صناعة أيقونة نضالية

فيلم "هارييت" .. كاميرا سياسية تراهن على صناعة أيقونة نضالية
السبت 26 شتنبر 2020 - 02:15

هذه محطة سينمائية جديدة عن تاريخ نضال عبيد أمريكا من أجل التحرر في منصف القرن التاسع عشر، قبيل حرب الانفصال. فيلم عن ماضٍ دموي كان فيه الخوف عدوا للحالمين بالحرية؛ وهو رسالة لرفع المعنويات في حاضر يلعب فيه الفن، وخاصة السينما، دورا كبيرا في توجيه الرأي العام.

“هاريتت” سيرة سينمائية لبطلة سوداء أنجزته مخرجة سوداء. (هارييت 2020 للمخرجة كاسي ليمونز على منصة ديزني بلوس حسب الطلب).

بينما تتعرض هارييت للجلد تدعو على سيدها، فيعلق: “لا يصغي الله لصلوات العبيد”. تصلي هارييت وتدعو، فيموت جلاّدها فجأة. حُسم الصراعُ من السماء.

يتكرر هذا: تتلقى البطلة السوداء رؤيا ربانية في كل أزمة، وهذا يجعل الصراع عموديا بين الأرض والسماء بينما هو صراع أفقي اجتماعي بين العبيد ومالكيهم. لا يميز الله بين البشر بناء على اللون، لكن الكثير من المجتمعات تعتبر اللون عاملا أساسيا للتمييز.

في منتصف القرن التاسع عشر، كان بيضُ جنوب أمريكا يملكون مئات آلاف العبيد يستغلونهم ويبيعون أولادهم؛ لكن الزمن بدأ يتغير، فما كان طبيعيا صار فعلا سياسيا مرفوضا. لذلك، تبكي زوجة الجلاد؛ لأن عبيدها يفرّون ويقوّضون بذلك موقعها الطبقي العالي.

تفر البطلة وسط الغابات، تقطع المسافة بين موطن العبودية جنوبا ومكان التحرر شمالا بسهولة ذهابا وإيابا، وكأنّ خصمها هو مخاطر دروب الغابة وليس المجتمع العنصري. يقع الصراع الحقيقي في المجتمع لا في الطبيعة.

حين بدأت حركة الفرار جُنّ جنون ملاك العبيد، فأجبروا مجلس الشيوخ لسن قانون استعادة العبيد الفارين، ثم أعلنوا عن تأسيس دولة جنوبية تحافظ على العبودية. كانت حركة الفرار من الحقول الجنوبية نحو الشمال سببا رئيسيا لحرب الانفصال في أمريكا 1861 -1865، وانتهت بإعلان أبراهام لينكولن الذي حرر أربعة ملايين من العبيد.

يظهر هذا المعطى باهتا في فيلم “هارييت” عن تحرر العبيد، وهو موضوع مطروق بكثافة في الأدب والسينما. تحتاج الإمبراطوريات إلى العبيد لتنتج وتتوسع، وهم يثورون أحيانا، بدءا من ثورة سبارتاكوس ضد العبودية جنوب الإمبراطورية الرومانية (فيلم سبارتاكوس 1960 لستانلي كوبريك)، فثورة الزنج ضد الإمبراطورية العباسية، وصولا إلى ثورة العبيد في جنوب أمريكا التي خلدتها أفلام كثيرة…

كانت البطلة هارييت تجري من أجل حريتها، وتنجو بسهولة بفضل نيتها الحسنة. يخلّ هذا الاستسهال بالأمانة التاريخية، إذ لو كان الأمر كذلك لما بقي إنسان أسود عبدا في الجنوب.

لا تلتقط الكاميرا النية الحسنة. يحتاج الفرار قوة وقدرة ومعرفة، تفتقد البطلة هذه الصفات ولا تملك إلا الإرادة. تردد “فريدوم” وتصلي في كل مأزق، فيأتيها الحل. تحضر الإرادة الربانية أكثر من مؤهلات البطلة في توجيه الأحداث. هكذا تحل السّماءُ والقدرُ عُقدَ الحِبكة. لذلك، لم تكن الثمانون دقيقة الأولى من الفيلم درامية؛ لأن مفعول الإرادة مُفتعل، منفوخ، وقد أثمر ذلك أداء باهتا، دون كاريزما لدى الممثلة سينتيا إريفو Cynthia Eriv.

لقد هيمن الوعي البعدي السعيد للماضي على منظور المخرجة، فصار الفيلم النضالي أشبه بالتزحلق على أرضٍ مسطحة. وقد اشتغلت المخرجة أيضا في سلسلة (SELF MADE) 2020 على سيرة بطلة سوداء أخرى هي صانعة مستحضرات تجميل. يبدو أن الدافع التجاري حاضر في هذه محاولة صناعة أيقونة نضالية؛ لكن بصعوبة.

ما الذي يمكن كتابته عن امرأة تجري في الغابة طيلة الفيلم؟

تركيبيا، كل سيرة – سواء كانت كتابا أو فيلما – تحكي عمرا بكامله هي سيرة مفككة لا حْبكة جامعة فيها؛ لأنها انتقاء لحظات من عمر البطل. وتجري في الغالب مشاهد في أمكنة وأزمنة مختلفة والرابط الوحيد بين تلك المشاهد هو وجود نفس البطل فيها. في مثل هذه الحالات، يصعب نحت الزمن. ولتجنب ترهل الزمن، يركز الفيلم التاريخي الناجح في الغالب على حدث واحد وزمن واحد، كما في فيلم ثورة سبارتاكوس.

بسبب محاولة الفيلم لتغطية زمن طويل، تنقص كثافة في “هارييت”. للتدليل على هذا ها كم مقارنة نضال بأفلام أخرى تناولت منتصف القرن التاسع عشر، وصوّرت وضعية السود بعمق في لقطات قليلة.

من تلك الأفلام “جانكو المخلّص من القيود” 2012 لترانتينو. عن أسود حر يركب حصانا لأول مرة في تاريخ أمريكا. لقطة تصدم حتى السود الذين يعتبرون الأسود عبدا والأبيض حرا. لتعميق السخرية، يتقمص جانكو دور تاجر عبيد أسود، وهذا أحقر له؛ لكنه مفيد لفهم الوضع… يزداد غضبه ويحرر أمة تجلد؛ لأنها كسرت بيضة.

كانت لقطة أول زنجي يركب حصانا ببذلة أنيقة مزعجة لصاحب المزرعة الجاهل العنصري مالك العبيد (أداء ليوناردو ديكابريو)، الذي يجمّل خزانته بروايات الكاتب الفرنسي ألكسندر دوما ولا يعرف أنه أسود.

تبدو الدقائق الأولى من “جانكو” أكثر كثافة من كل فيلم “هارييت”. وأعترف بأنني اكتشفت ثراء فيلم “تارانتينو” من زاوية إعادة مشاهدته بغرض إنجاز هذه المقارنة. ثراء يكشف كل موجة الأفلام السريعة والتجارية عن السود. وتوفر منصات المشاهدة، حاليا، فرصة غير مسبوقة للمقارنة بين أفلام صدرت في مراحل مختلفة عن السود.

وحدها الأفلام العميقة تصمد في وجه الزمن، أما الوجبات السينمائية السريعة فهي تتبدد وتسبب الجوع الفني.

‫تعليقات الزوار

3
  • زكرياء
    السبت 26 شتنبر 2020 - 11:10

    نسخة مطابقة ل فيلم DJANGO UNCHAINED جدير بالمشاهدة

  • balli mohamed المملكة المغربية
    السبت 26 شتنبر 2020 - 11:42

    باللغة العربية بدل اللغة الفرنسية فاغلبية الدول الافريقية تتكلم اللغة الفرنسية ومنها من يتكلم اللغةالانجلزية فالسينما الاصل لاتعرف الانحياز هدا ابيض هد ا اسود هد ا احمر هد ا ازرق هد ا اخضر فهي لاتدعوا للعنصرية ولن تكون يوما هي للمتعة هي لتسلية هي لترويح عن النفس عرق في الثقافة عرق في الاقتصاد عرق في التاريخ وهد ا لاخير منه الصورة السينمائية دات تلاث وجوه وما اكثر الصور السينمائية المقتبسة من التاريخ الا في حالة واحدة الايكون التغيير بين قوسين من دكاء السينما بل من حنكتها انها تختار لصور المرتبطة بالتاريخ من هم في المستوى الجيد بالاخص من عاش القضية حرفيا لازيادة لانقوص وبلغة لاختصار لازال في عالمنا هد ا الخلاف على أكثر من شكل ومن أجل الخلاف خلقنا والحل يكون دائما بالعقل لاالجهل ولاتهور كدالك لازالت لنا كلمة لفرصة أخرى فالحديث عن هد ا الفن لاتكفي عنه كلمة واحدة ولاكلمات وبالاخص اد ا كانت هناك صورة سينمائية جلبت قلم النقد او التشجيع او من باب التوضيح

  • يساري ديمقراطي
    السبت 26 شتنبر 2020 - 12:52

    أثقل إرث العبودية كاهل الأمة الأمريكية الآخذة بالنشوء آنذاك و مازال لكن العبودية في الواقع ليست ظاهرة أمريكية هي ظاهرة بشرية قديمة فلذلك أتعجب ممن يتحدثون بانتفاخ عن العبودية في أمريكا من أوروبيين و غير أوروبيين ثم لمن ينسى استعباد الأوروبيين لأقرانهم قبل غيرهم أيام النظام الإقطاعي و من الأسئلة التي لم أجد لها جواباً هو : من أين استمد الأوروبيون فكرة نقل العبيد من زنوج إفريقيا تحديداً؟ من جهة اخرى جاء جواب ترامب عن تحطيم تماثيل لشخصيات تاريخية تثير مواقفها الخلاف كتالي : "نحن لا نستطيع أن نمحو الماضي علينا معرفته حتى لا نكرر أخطائه "

صوت وصورة
احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية
الجمعة 29 مارس 2024 - 00:30 1

احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية

صوت وصورة
شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر
الخميس 28 مارس 2024 - 23:00 2

شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر

صوت وصورة
فواجع النقل المزدوج
الخميس 28 مارس 2024 - 22:15 3

فواجع النقل المزدوج

صوت وصورة
تقنين التنقل بالتطبيقات
الخميس 28 مارس 2024 - 19:55 11

تقنين التنقل بالتطبيقات

صوت وصورة
الفهم عن الله | إصلاح العيوب
الخميس 28 مارس 2024 - 18:00

الفهم عن الله | إصلاح العيوب

صوت وصورة
وزير النقل وامتحان السياقة
الخميس 28 مارس 2024 - 16:02 6

وزير النقل وامتحان السياقة