كِلاوي يربط بناء تاريخ السينما المغربية بتراكم النصوص النقدية

كِلاوي يربط بناء تاريخ السينما المغربية بتراكم النصوص النقدية
الإثنين 5 غشت 2019 - 03:00

نظمت الجمعية المغربية لنقاد السينما “إقامة نقدية” بمدينة مراكش لمدة يومين ليشرح فيها كل ناقد كيف يكتب.

وبهدف التقاسم العملي للتجارب وبغرض تجنب التنظير الفضفاض، أحضر كل متدخل من النقاد نصا سبق وكتبه ووزع نسخا منه على الحضور وانبرى يشرح منهجه في الكتابة.

كان من ضمن المتحدثين محمد كلاوي، وهو قيدوم النقاد السينمائيين المغاربة المنتجين كتابيا لا شفويا. ولد في 1952، حاصل على دكتوراه في العلوم السياسية. يكتب بالفرنسية ونشر كتاب “النقد المتعدد” سنة 2002. كما نشر مقالات عديدة.

واكب كلاوي تكوين الأندية السينمائية في بداية السبعينات من القرن الماضي، وكتب عن الأفلام المؤسسة للسينما المغربية. ناقد متشبع بمرجعية ثقافية عميقة، يتوفر نصه على زخم معرفي ووضوح أسلوبي. نصه دقيق وواضح مشبع بالمفاهيم الفنية، روائية وبصرية.

وهذا النص هو تسجيل لنقط مداخلته ثم جلسة بعدية لإطلاعه على النص المحرر لإضافة توضيحات وتعليقات.

في بداية مداخلته لاحظ كلاوي أن الناقد السينمائي ليس صحافيا بالضبط، وسجل أنه ليس لدى الناقد المغربي وضع محدد، وشرعيته ليست محددة من طرف جهة ما بل هي شرعية هو من يصنعها بقلمه.

وأكد أن الناقد المغربي قد ساهم في إحداث قفزة نوعية في النقد السينمائي العربي. وقد سمحت المرحلة الاستعمارية واستمرار التواصل الثقافي مع فرنسا لهذا الناقد بالاطلاع المبكر على الأدبيات السينمائية الفرنسية. كما استفاد الناقد المغربي من تصوير مخرجين عالميين لأعمالهم في المغرب. صور أورسن ويلز (عطيل) 1952 ودافيد لين (لورنس العرب) 1962.

بعد ذلك والتزاما بأرضية الإقامة النقدية تناول كلاوي نصا كتبه يستعرض فيه النقلة التي عرفتها السينما المغربية في تسعينات القرن الماضي، مقال ينصب عن مرحلة وليس عن فيلم واحد.

فسر كلاوي اختياره:

كانت تلك مرحلة مهمة من لم يعشها لن يحكم على تطور السينما المغربية. كان هناك سؤال محدد مطروح حينها:

هل نريد سينما فنية ثقافية أم سينما تسترضي الجمهور؟

كان النقاد المغاربة يقضون عاما كاملا يتناقشون حول فيلمين أو ثلاثة قبل أن تشرع الدولة المغربية سياسة تمويلية واضحة للأفلام، والنتيجة أنه بدل ثلاثة أفلام في السنة صار النقاد أمام عشرة ثم عشرين فيلما، ومن هنا نهض سؤال جديد:

هل سنستمر في تصوير أفلام تظل حبيسة الرفوف؟

أجاب: لا. لذا هناك حاجة ماسة إلى المزيد من الأقلام النقدية.

أمام هذا الكم الفيلمي، سجل كلاوي قلة النصوص النقدية لأن قراءة الأفلام صعبة. وتفسيره هو: تميزت المرحلة الأولى للنقد السينمائي المغربي بمساهمات شفوية أكثر من المستوى الكتابي لأن الناقد تدرب وعمل طويلا في النوادي السينمائية. كان السينيفيلي يناقش لساعات ولا يكتب.

بعد تشخيص سياق تطور الممارسة النقدية في المغرب، تساءل كلاوي: ما الذي يحفزني كناقد؟

أجاب:

1ـ يحفزني سحر التفكير في الصورة. في كل فيلم سحر (magie)، أبحث عن سحر الفيلم، أبحث عن مخرج يضيف، لديه ترافلينغ (صيرورة) إبداعي، لديه أداء… بالنسبة لي المخرج هو الذي يعرف كيف يحكي بالصورة ويستطيع أن يغير طريقته في الحكي مع مرور الزمن.

2ـ يحفزني أن أجد في الفيلم ما يثيرني، حتى لو كان الفيلم شهيرا قد لا يثيرني. وقدم مثالا لفيلم مثير هو “المخدوعون” 1972 لتوفيق صالح. وقد كانت فكرة الانعتاق “الفردي” من جحيم واقع سياسي واجتماعي مرير، عن طريق الهجرة السرية خارج حدود الوطن، هي أساس البناء السردي في فيلم “المخدوعون” الذي ما يزال يتصدر إلى اليوم، وعن جدارة، أحد أهم الانتاجات في لائحة الأفلام العربية والعالمية.

فهذا الفيلم المستقى من رواية غسان كنفاني “رجال في الشمس”، يعرض محنة ثلاثة فلسطينيين (أبو قيس وأسعد ومروان)، يمثلون مختلف الأجيال، حكم عليهم التشرد الناجم عن النكبة بالهجرة إلى الكويت، عبر فيافي الصحراء القاحلة، بحثا عن المال والاستقرار.

وقد أفلح المخرج سينمائيا في إبراز العلاقة المتوازية بين واقع فضاء الصحراء “العاري” والحقيقة “العارية” لشباب أعادته لفحات الشمس الحارقة إلى نفي ذاته من قيم التضحية والوفاء، ودفعتنا كمشاهدين للتساؤل عن مغزى النضال ما دام المال والثروة اللذان ترمز إليهما الكويت، حيث تفجر الذهب الأسود، يتقدمان لديه كل المبادئ والأخلاق.

3ـ يكتب الناقد ليس لكسب المال بل لخلق معنى. والنقد السينمائي ليس ريبورتاجا صحافيا بل هو حفر في عمق الفيلم. أضاف كلاوي: في منهجي في الكتابة ألتقط الفكرة وأحتاج وقتا لبلورتها. أحفر في فكرة الفيلم قبل تحريرها. يحتاج شهرا ليكتب مقالا. شبه كتابته بالطبخ. مع الزمن يصير من الصعب الكتابة عن فيلم.

ولاحظ أن النقد صار أكثر تخصصا واعترف بأنه مع الزمن تصير الكتابة أصعب، وقد حيا جرأة الشباب وشجاعتهم في الكتابة، واستغرب أن من هؤلاء الشباب من يكتب في الظلام أثناء المشاهدة، وبالتالي يتم إنجاز المقال بالتزامن مع عرض الفيلم.

4ـ قال: تحفزني أفلام محددة ولست مرتبطا بقضايا عامة (مثل المرأة في السينما والخبز في السينما والنضال في السينما). تحفزني صلة بطل الفيلم بسياق اجتماعي محدد، أشار لفيلم “صالون الموسيقى” 1981 لساتياجيت راي، وفيه يتدهور وضع فيودالي ووضع مجتمع بكامله. يضيف كلاوي: تهمني سيناريوهات تتناول اللحظة التاريخية، الخطير الآن هو أن التيار الظلامي قد اكتسح العالم العربي في هذه اللحظة، وهذا ما جعل تأثير الإبداع صعبا في مجتمعات غير مستقرة.

5ـ في حديثه عن النقد المغربي ذكر مصطفى المسناوي، وأضاف أن المسناوي ناقد قومي عروبي قريب في كتاباته من النقد المصري، ووصف كلاوي نفسه بأنه نقيض هذا وأنه لا يستسيغ النقد السينمائي المصري الذي يكثر من سرد أحداث الفيلم وتفسير سيكولوجية الشخصيات للقارئ.

سألت كلاوي عن بديل السيكولوجيا والسوسيولوجيا فأجاب: أركز أساسا على بلاغة الصورة في كتاباتي النقدية، بمعنى أن المهم بالدرجة الأولى هو كيفية إيصال المعنى من طرف المخرج من خلال توظيفه لتقنيات السينما: التأطير، موقع الكاميرا، إدارة الممثل، توظيف مؤثر للمونتاج، الموسيقى… طلبت من كلاوي مثالا ينطبق عليه شرطه فذكر ستانلي كوبريك وحلل عدة مشاهد طويلا.

6ـ ختاما سجل أن المشهد السينمائي حيوي. فالمغرب ينتج أكثر من عشرين فيلما طويلا وأكثر من خمسين فيلما قصيرا سنويا. لكن من زاوية النقد السينمائي التي تهمه لاحظ كم من مهرجان يمر ولا يكتب مقال واحد عن الأفلام التي عرضت فيه. في أفضل حال يتم نشر بلاغ النتائج وبلاغ أعضاء التحكيم.

ونادرا ما تتوفر تغطية للندوات وتحليلات نقدية للأفلام وهذا ضروري لنشر الثقافة السينمائية وتمكين الفنانين من “فيد باك” (تغذية راجعة) تساعدهم على تطوير إبداعهم.

لتحقيق هذا المطلب على الناقد تقدير ظروف القارئ ومتطلباته. في مرحلة ما كان خبر صدور فيلم حدثا مهما، وكان الناقد يساهم في الحدث. الآن صار المخرج يعلن على فيلمه بنفسه على فيسبوك، لذلك تحددت مهمة الناقد في التحليل لا في الإخبار، هدف التحليل هو كشف المسكوت عنه والوقوف على الأساليب الفنية المستخدمة في الأفلام. وهكذا، فإن تراكم نقد الأفلام يبني تاريخ السينما.

‫تعليقات الزوار

2
  • بوجيدي
    الإثنين 5 غشت 2019 - 03:20

    تكتبون وتنقدون بعيدا عن الواقع المغربي الحقيقي وليس المزيف،تكتبون وفق مناهج لم تيتنبت داخل وضعنا الخاص،مناهج مستوردة كما اللغة والفكر،أسماء كخالد وأفكار لجون بول، إنزلوا من أبراجكم العاتية المخلقةةفي سناء الترف الفني،وحدثونا عن الصورة في الفيلم المغربي بما أنها أفضل من ألف كلمة هل تقوم بأدوارها،الجمل الحكائية بالصوة هل تؤدي وظائفها،أيها الناقدون رفقا بهذا الوطن، بهويته زمن الشتات الهوياتي، رفقا بتاريخه وإسهامه الحضاري فنحن لم ننبت البارحة وإذاةلم تكن سينمانا تعبر عمن نكون فمن تكون؟المدارس الإيرانية والأوربية والتركية مرتع للتجريب والاحتفال والاحتفاء. والمدارس الأمريكية كذلك لكن أين نحن من السينما العالمية؟

  • الوردي
    الإثنين 5 غشت 2019 - 03:54

    الحقيقة ان الشاشة الفضية المغربية في طريقها الى الانقراض بسبب النقد الحسود الهدام واغلاق معظم القاعات السينمائية لابوابها.

صوت وصورة
أحكام قضية الدهس بالبيضاء
الثلاثاء 16 أبريل 2024 - 23:58

أحكام قضية الدهس بالبيضاء

صوت وصورة
معرض الحلي الأمازيغية للقصر الملكي
الثلاثاء 16 أبريل 2024 - 23:55

معرض الحلي الأمازيغية للقصر الملكي

صوت وصورة
اعتصام ممرضين في سلا
الثلاثاء 16 أبريل 2024 - 19:08

اعتصام ممرضين في سلا

صوت وصورة
وزير الفلاحة وعيد الأضحى
الثلاثاء 16 أبريل 2024 - 17:34

وزير الفلاحة وعيد الأضحى

صوت وصورة
تكافؤ الفرص التربوية بين الجنسين
الثلاثاء 16 أبريل 2024 - 16:12

تكافؤ الفرص التربوية بين الجنسين

صوت وصورة
احتجاج بوزارة التشغيل
الثلاثاء 16 أبريل 2024 - 16:02

احتجاج بوزارة التشغيل