معرض "مواقع خالدة" يسافر بالزوّار في رحلة عبر التراث الإنساني

معرض "مواقع خالدة" يسافر بالزوّار في رحلة عبر التراث الإنساني
الجمعة 2 نونبر 2018 - 15:45

على ضفاف نهر أبي رقراق بالمركب الثقافي الذي تَسَمَّى باسمه في سلا، استُقبل معرض فريد من نوعه من تنظيم مديرية الوثائق الملكية، بتعاون مع متحف اللوفر ومجموعة المتاحف الفرنسية بباريس، وبدعم من اليونسكو.

معرض “مواقع خالدة من باميان إلى تدمر، رحلة في قلب التراث الدولي” يعرض تحفا من التراث المغربي تنتمي إلى مواقع مثل وليلي وبناصا وجامع القرويين، ومعروضات أثرية موجودة بمناطق النزاع في أفغانستان والشرق الأوسط، مثل باميان وخورسباد وتدمر والمسجد الأموي بدمشق وقلعة الحصن.

هذا المعرض، الذي سبق أن استقبله القصر الكبير بباريس، يمزج ببراعة بين عرض تُحف ولقى تعكس غنى الذاكرة الإنسانية وبين عروض للواقع المعزّز تعيد إحياء المنسي والمُندثر من هذا الموروث.

فينوس وجامع القرويين!

أول تحف المعرض شاهٌد جنائزي یحتوي على رسوم بشریة تعود إلى العصر البرونزي، وُجد بموقع النخیلة بالمغرب، وثانيها آثار من موقع ولیلي الأثري ترجع إلى الفترة الرومانیة؛ ومن بينها تاج عمود كورنثي یرجع تاريخ تشييده إلى الفترة الممتّدة بین القرنين الأّول والثالث المیلادیین، ونُحت من الحجر الرملي المحلي الرمادي بزرهون، واستلهَمَ نحّاتوه زَخرفتَه من فنّ العمارة الرومانیة، مع تكییفها مع الذوق والطابع المحليّين.

وتحضر بالمعرض فینوس، إلهة الحب والجمال والخِصْبِ في الأساطیر الیونانیة، وهي محمولة على قوقعة، متوسّطةً طفلین مجّنحین یحیلان على كیوبید، ابن فینوس الذي یصیب البشر بأسهم العشق.

“فينوس المغاربية” تصوّرها الفسیفساء التي وُجِدت بموقع بناصا الأثري؛ وتشیر إلى المعتقد الروماني السائد حول ولادتها بالبحر قبل إبحارها على متن محّارتها.

جامع القرویین، الذي كان أّول جامعة في العالم وكان له سبعة عشر بابا، تتوّسط قطعةٌ من تصفیح أحد أبوابه الجزَء الأّول من المعرض. وُتزّین هذه القطعَة النحاسیةَ نقوشٌ باللغة العربیة تُخلّد مفاهیم مثل الغبطة المّتصلة، والسعادة، والیمن، والإقبال، والسعادة، والعز، على “باب الجنائز”.

كما یعرض “الجزء المغربي” من معرض “مواقع خالدة” قطعا عریقة من منطقة الغرب الإسلامي؛ مثل مثاب بئر صنع بالأندلس، ووجد بسبتة، ونُقش علیه تاریخ صُنِعِه، مما جعله “قطعة استثنائية تمّكن من التعّرف على الثقافة المادّیّة في العهد الموحّدي”.

و‎یفصل بین ضفتي المعرض ممّرٌ طویل وضّحت بهیجة سیمو، مدیرة مدیریة الوثائق الملكیة، أن هشام الصولاحي، مصمّمه الفني، یهدف إلى ‎التفریق بین العرضين؛ أي بین الّتحف المغربیة المحمیة باستقرار البلد، وبین التحف المهّددة بالضّياع إما بفعل النهب أو بسبب الأعمال الإرهابية التي تستهدف كل الذّاكرات من مختلف المرجعيات.

ذاكرة الإنسان في مهب الريح..

قبل عبور بوابة المعرض، یجد الزائر نفسه مجبرا على مشاهدة شریط یوّثق التخریب المتعمّد لتمثالَيْ بوذا العملاقين بمدينة بامیان الأفغانية، الذي تمّ في مارس من سنة 2001، وصَدَمَ الرأي العام العالمي.

يستدير المشاهد، الذي يفاجأ بمدى جدية وواقعية المشكل، فيجد نفسه أمام خريطة ضوئية تُعدّد 814 موروثا ثقافيا عالميا؛ في رسالة تنبه إلى غنى الذاكرة الإنسانية، والتهديدات التي تواجهها.

يلج الزائر المعرض فيجد نفسه أمام جدران رقمية تضعه في قلب التجربة، عبر مقاطع مصورة بكاميرا بدون طيّار تتجوّل فوق مدينة تدمر الأثرية، وقلعة الحصن، وتعرض تحف خورسباد، وإعادات تركيب لتحف ومواقع تاريخية قديمة مثل مدينة نينوى.

أول تحف الجزء الثاني من المعرض تُظهِرُ تماثلا جنائزيا من تدمر، لشاب يرتدي سترة يونانية رومانية، ورأسه متوج بإكليل من أوراق الغار، وهو تمثال جُلب من قسم الآثار الشرقية بمتحف اللوفر بباريس. هذه التحفة نجت بعد تدمير تنظيم الدولة الإسلامية عددا كبيرا من منحوتات التَّدْمُريّين ومعالِمِهم بعد الحصار الذي عرفته مقبرة تدمر في سنة 2015، قبل أن تفتح للزيارة من جديد في سنة 2016.

ومن بين تحف المعرض أسد برونزي من منطقة خورسباد، يزأر وعلى ظهره حلقة غليظة وكان، حسب دليل المعرض، مُثبّتا على الأرض بجانب أحد أبواب القصر.

ويحضر في معرض “مواقع خالدة” الجامع الأموي الشهير بدمشق من خلال قطع من فسيفسائِه الزجاجية، والصدفيّة، والمُذهّبة. كما تحضر قلعة الحصن التي ترجع إلى عهد الحروب الصليبية، ممثّلَة في قِدر مذهّب منقوش.

التقنية في خدمة الذاكرة

لم تكتف القاعة الثالثة بتجميع الوثائق والرسومات والصور حول مرحلة “اكتشاف الشّرق”، بل حاولت توظيف الرقمنة ثلاثية الأبعاد من أجل تمكين الزوّار من عيش “واقع معزّز”؛ يمكِنُهُم فيه رؤيةُ إعادةِ بناءٍ لقوس النصر في تَدْمُر الذي دُمّر في أكتوبر من سنة 2015، على سبيل المثال.

وتحتوي قاعة العرض هذه على شاشات تعمل باللمس وتمكّن من “تصفّح” صور من الجامع الأموي في تطوّرها الزمني، كما تتيح بعض مرافق القاعة فرصة مشاهدة إعادة تركيب للمباني التي تمّ مسحها ضوئيا، عبر هواتف متّصلة مع مكان عرض دائري.

وتحضر بالقاعة أيضا شهادات لمتخصّصين حول التراث الإنساني، وصدمات مشاهدته وهو يدمّر، إلى جانب مقاطع مصوّرة توثِّق اسكتشاف مناطق أثرية، وتظهر طرق تصوير المقاطع التي وظّفها المعرض بطائرة دونَ طيّار.

كما تحتوي القاعة على وثائق تتضمّن رسوما دقيقة للبنايات الأثرية، وتصاميمها، ونسخة بألوان مائية وذهبية عن مسح لفسيفساءِ المسجد الأموي الكبير تطلّبَ نسخا لقِطَعِهِ واحدة واحدة، إلى جانب استرجاع ثلاثي الأبعاد لقلعة الحصن.

سفر عبر الزمان والمكان

يسافر الزائر داخل هذا المعرض عبر أزمنة متعدّدة؛ فمن العصر البرونزي إلى زمن الطائرات بدون طيّار، مرورا بالقرون الأولى الميلادية، والعصور الإسلامية.

ويمكِّنُ حسن توظيف تقنيات العرض الضوئي وإعادة التركيب والإضاءة من الإحساس بعمق التجربة الإنسانية، على اختلاف مشارِبِها ومنطلقاتها وانعكاساتها الشّكلية والجمالية والقيمية.

وتبدو رسالة المعرض جليّة لمن تاه داخله؛ فالتُّراث الثقافي لمختلف الشعوب إرث حضاري إنساني يجب حمايته من المُعادين لفكرة المشترك الإنساني، ومن المتاجرين في التراكم الثقافي للحضارات.

‫تعليقات الزوار

2
  • فداك يابلادي
    السبت 3 نونبر 2018 - 09:13

    توجد مواقع اثرية بالبلد لكن مافيا العقار تدمر كل شئ . بقرية تامري مثلا يوجد موقع اثري رائع لكن ××× يريد السطو عليه بشتى الطرق والمسؤولين يساندوه عوض الدفاع عن الموقع الاثري
    لك الله يا بلادي والشعب الابي الحر .
    السلام عليكم

  • الرحال الرومان
    السبت 3 نونبر 2018 - 14:17

    هذا النوع من الاقواس يوجد مثله في جزيرة صقلية وفي ضواحي روما .

صوت وصورة
أجانب يتابعون التراويح بمراكش
الخميس 28 مارس 2024 - 00:30

أجانب يتابعون التراويح بمراكش

صوت وصورة
خارجون عن القانون | الفقر والقتل
الأربعاء 27 مارس 2024 - 23:30

خارجون عن القانون | الفقر والقتل

صوت وصورة
مع الصديق معنينو | الزاوية الدلائية
الأربعاء 27 مارس 2024 - 23:00

مع الصديق معنينو | الزاوية الدلائية

صوت وصورة
ريمونتادا | رضى بنيس
الأربعاء 27 مارس 2024 - 22:45

ريمونتادا | رضى بنيس

صوت وصورة
الحومة | بشرى أهريش
الأربعاء 27 مارس 2024 - 21:30

الحومة | بشرى أهريش

صوت وصورة
احتجاج أساتذة موقوفين
الأربعاء 27 مارس 2024 - 20:30

احتجاج أساتذة موقوفين