مُذكرات موموح .. قصة طفل قروي بين ظلم التاريخ ولعنة الجغرافيا

مُذكرات موموح .. قصة طفل قروي بين ظلم التاريخ ولعنة الجغرافيا
الأحد 26 غشت 2018 - 17:00

بلغة عربية فصيحة فصاحة العرب القدامى، يُقدّم الكاتب محمد الصْفا، أو موموح كما يحلو له أن ينادى عليه، يوميات طفل قروي بقرية تاحفورت الواقعة بجماعة مغراوة عند مرتفعات الأطلس المتوسط بإقليم تازة، ويحكي تفاصيل طفل أصبح رجلا قبل الأوان، مروراً من منحدرات قريته وصولاً إلى المدينة.

صدرت السيرة الذاتية “مُذكرات موموح” خلال السنة الجارية عن مطبعة الأنوار الذهبية بمدينة خريبكة، حيث يسكن موموح إلى حد الساعة؛ لكن عقله كان ولا يزال هناك في مرتفعات مسقط رأسه في “تَاحفورتْ”، التي لا يكل من حكي تفاصيلها، من بيته إلى المسجد مروراً بالبيدر، وبين هذا وذلك ينثر بسلاسة بارع في اللغة الضوء عن تاريخ منطقة لا يزال تاريخها في حكم المنسي.

كانت تجربة حكي «مذكرات موحوح» قد بدأت بوادرها على صفحات موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك منذ سنوات مضت، هناك في هذا الفضاء الأزرق استقبل «موموح» بفرح طفولي أبناء قريته الصغيرة وقبيلته الكبيرة آيت وراين، ومضى الأيام الطوال يُحدث فلانا وابن فلان، ويتعرف على الجيل الجديد من أبناء الأطلس المتوسط من تاهلة وجرسيف وبويبلان.

حماسة لقاء أبناء القبيلة نفسها والتاريخ المشترك كان حطبا لعودة ذكريات قريته المنسية، إلى أن شرع في سرد السيرة حول طفولته، كيف عاش أيامه بأفراحها وأتراحها، بتجارب عند سفوح جبال الأطلس المتوسط جعلته يتحمل مسؤولية ويصبح رجلاً قبل الأوان.

انطلق موموح في حكي السيرة تلو الأخرى، ونال إعجاب أبناء جلدته وجعلته يستجمع قواه ويصبح منتجاً لكلمات الذكريات بشكل يومي، واستمر الأمر إلى أن حكى مائة سيرة، وقفت على تفاصيل عيشه وعيش محيطه، لتنطلق الكلمات من شاشات الحاسوب إلى كتاب ورقي رأى النور أخيراً، يعج بمصطلحات قديمة بلغه أمه، الأمازيغية.

يقول موموح إن «مذكراته» رجوع بالذاكرة من حياة تحكمها قوانين المشترك الإنساني الاستهلاكي العصري الذي يغيب عنه التسلح الأخلاقي إلى عالم الطفولة الصارخ في بساطته، رجوع يعتبره ذات مبررات أولها الرغبة في السيطرة على أسباب إنتاج الخوف من مدرسة يتخرج منها الأطفال رجالاً قبل الأوان.

أكثر من ذلك، فموموح، الذي حمله القدر طيلة سنوات من تازة إلى الرباط وفرنسا ومراكش ثم خريبكة، يعتبر أن هذه المذكرات «ليست سيرة ذاتية وتدفقاً من حنايا الماضي فحسب، بل هي كذلك بوح بتفاصيل حميمية بطعم القهر وإهدائها قرباناً للمساهمة في التعريف بمعاناة الأعالي وبؤس طفولتها”.

كما يعتبر محمد الصفا أن هذه المذكرات تكشف الستار عن معاناة طفولة القرى في سياق تاريخي وفي نقطة جغرافية معينة انطلاقاً من تجربة شخصية وإشهار وتشهير برداءة وبغياب التجهيزات الخدماتية بالبوادي خاصة منها الجبلية.

هو يعي تماماً الدور المنوط به وعلى عاتق كل أبناء المنطقة لإماطة اللثام عن تاريخ منطقة مقصية، أبى أن يسجل فترة تاريخية، بدايات النصف الثاني من القرن العشرين، للمثلث المعزول والمنسي، كما يسميه، من منطقتي تاهلة وكرسيف وصولاً إلى جبال بويبلان، أحد مرتفعات الأطلس المتوسط ذات البياض الناصح بثلوجه التي تصمد أكثر من نصف سنة.

يصف موموح آيت وراين الأمازيغية بالقبيلة الثائرة التي حاصرها ظلم التاريخ ولعنة الجغرافيا، ويحكي ركب رجال أحرار لا يطأطئون الرأس ولا يقبلون الاستسلام والانبطاح، ويصور صمود قبيلة كانت محاصرة تبحث عن طموحها العسكري ضد المستعمر وتبحث عن مجال رعوي يضمن لخيامها رحلة الشتاء والصيف.

وبين السير التي يحكيها الكاتب محمد الصفا وبين ثنايات ذكرياته العتيقة، يفتخر أيما افتخار بقبيلته آيت وراين، ويقول: «هي الأرض حيث الرجولة تهوى الجندية والموت في سبيل الوطن، وحيث الجبال تتنفس وتتكلم الأمازيغية، هي حب موموح الأول والأخير”.

وفي النهاية، يبوح الصفا بأحلامه الصغيرة، أحلام لا هي صعود إلى سطح القمر في ليلة الزبرقان، بل حلمه بسيط هو “أن ينتبه العالم إلى جمال قريته وأن تشفع لها مناظرها الخلابة لدى من يهمه الأمر فتنال حقها في الترقي، وأن تزهر بها العدالة والديمقراطية الصافية ويزداد منسوب الكرامة وينسحب الفقر المعشش فوق خلال خلابة تاحفورت الساحرة”.

‫تعليقات الزوار

9
  • سعيد مغربي قح
    الأحد 26 غشت 2018 - 18:10

    بسم الله الرحمان الرحيم

    هؤلاء هم الأمازيغ الأحرار..

    والأكثر من سؤال المطروح الآن..ويحتاج لأبحاث وبحوثات دوكتوراة..هو:
    لماذا الأمازغي الحر يتقن ببلاغة فائقة النظير المشرقي لغة الأعراب..وأحيانا أكثر من لغته الأم الأمازيغية نفسها؟!

    هل هناك أم واحدة في الزمن الغابر للغتين العربية والأمازيغية..وحينها نؤكد أن الأمازيغية هي من اللغات العروبية القديمة..؟!

    بحث..أقوم به ولازلت في الطريق وعلى وشك النهاية..إن شاء الله..

  • مفيد
    الأحد 26 غشت 2018 - 19:53

    لا أدري كيف تخلينا عن القرية و جمالها و هدوئها و حفظها للحياة البسيطة و خصال أهلها التي لا تتبدل مثلما تتبدل بسرعة في المدينة.. حيث يمكن الرجوع إليها من أجل إعادة ضبط الحياة إن هي من كثرة السرعة رمتنا في أمكنة ضيقة و قللت من وقت نهارنا و ليلنا..
    القرية البادية لا بد أن لهما ما يميزهما و ما يغري بزيارتها و العيش فيهما.. شرط كما قال الكاتب حفظ كرامتهما و صيانة جمالهما..
    إذا تخلينا عنهما و ضاقت المدينة ليس للمرئ سوى تحمل ضغطها بأمراضها و اختناقها و يأسها وإحباطها..

  • ايت وراين
    الأحد 26 غشت 2018 - 20:03

    زد في احلامك وبلغة العربية الفصحى
    فلا مستقبل لبلدتك ولا لجهتك ولا لوطنك ما دمنا نسمع الطرب الاندلسي فن وحضارة والحضارة العربية
    الاندلسية بالمغرب وكن على يقين ان بلدتك لن ترى
    ولو بصيصا من الامل ما دام الاندلسيون يسيطرون
    على مراكز القرار . ومن يناصرهم من دعات العروبة
    العنصرية الشامية المفلسة.

  • مغراوي
    الأحد 26 غشت 2018 - 21:24

    تحية إجلال وتقدير للكاتب موموح الدي عرف بمنطقة معزولة وأناس نسيهم الزمن .لم أتصفح بعد كتابك ولكن أشاطرك الرأي في هشاشة وقساوة العيش في تلك المنطقة المنسية رغم رحابة وروعة المجال وشدة ودكاء و نخوة الانسان الورايني…انه سوء حظ منطقة أريد لها أن تضل منسية وتكابد القهر والفقر…
    وهل لأبناء المنطقة نصيب من المسؤولية في تهميش ونسيان قبائل ايت وراين الحرة ؟؟؟؟؟

  • Nach
    الأحد 26 غشت 2018 - 21:51

    Un amazigh doit s’exprimer en tamazight pour Parler de la vie rèelle de son peuple sinon c'est de l'alienation ett ton travail n'a aucune valeur artistique.

  • Observateur
    الأحد 26 غشت 2018 - 22:11

    "بلغة عربية فصيحة فصاحة العرب القدامى .." .. على من تضحكون .. طوال حياتي لم أسمع و لا شخص واحد يتحدث ب اللغة العربية رغم أن اللغة العربية هي اللغة الرسمية في البلاد و رغم أن اللغة العربية هي لغة التعليم.

  • ض لعشوشي
    الأحد 26 غشت 2018 - 23:43

    من الواضح ان منطقة بني وراين تعطي ولا تاخد ودلك مند الزمان الغابر الى هده اللحظة الانية الخلل في ابناءها التي انجبتهم واعطتهم لهدا الوطن الغير المتوازن وما اكترهم اطر وكفاءات عالية وبالمقابل تناسوها وانكروها وكيف لغريب ان يعترف بها.؟ واصل ايها الكاتب و بالتشجيع

  • المجيب
    الإثنين 27 غشت 2018 - 01:17

    كتاب يبدو مشوقا ويغري بالقراءة لعلنا نجد في "مذكرات موموح" ما الذي تسبب في غياب الأزوري؛ تلك الفراشة الزرقاء الصغيرة التي كانت تؤثث منحذرات وشعاب بويبلان ومنطقة المثلث المعزول. واذا كانت فراشة الأزوري هجرت طبيعة المكان، فاعتقادي ان ذاكرة موموح لا زالت تحتفظ بها وبذكرى تحليقها فوق أزهار وأعشاب الجبل.

  • MumuH
    الإثنين 27 غشت 2018 - 10:08

    Sur ma page
    (mohamed SFA موموح )
    vous pouvez suivre ma série en Amazigh «Tinfas n MumuH»…

صوت وصورة
مؤتمر الأغذية والزراعة لإفريقيا
الخميس 18 أبريل 2024 - 16:06

مؤتمر الأغذية والزراعة لإفريقيا

صوت وصورة
الحكومة واستيراد أضاحي العيد
الخميس 18 أبريل 2024 - 14:49 85

الحكومة واستيراد أضاحي العيد

صوت وصورة
بايتاس وتأجيل الحصيلة الحكومية
الخميس 18 أبريل 2024 - 14:36 77

بايتاس وتأجيل الحصيلة الحكومية

صوت وصورة
هلال يتصدى لكذب الجزائر
الخميس 18 أبريل 2024 - 13:45 4

هلال يتصدى لكذب الجزائر

صوت وصورة
مع المخرج نبيل الحمري
الخميس 18 أبريل 2024 - 13:17

مع المخرج نبيل الحمري

صوت وصورة
عريضة من أجل نظافة الجديدة
الخميس 18 أبريل 2024 - 12:17 3

عريضة من أجل نظافة الجديدة