درس تاريخي لرواد "الموقع الأزرق" .. المغرب أقدم من فيسبوك

درس تاريخي لرواد "الموقع الأزرق" .. المغرب أقدم من فيسبوك
الجمعة 8 شتنبر 2017 - 10:00

كتاب “مجمل تاريخ المغرب” للكاتب عبد الله العروي

هذا عرض موجه للذين يعتقدون أن المغرب ظهر بعد اختراع الفيسبوك، حين يرون اغتصابا على الفيديو يندبون لأنهم لم يسمعوا قط سابقا بالتويزة بمختلف أشكالها. التاريخ يساعد على الفهم. يكفي معرفة محنة المغاربة مع الجراد والسيبة لفهم الكثير من سلوكاتهم..

هذه محاولة لكتابة تاريخ المغرب في ثلاثة أجزاء في “مجمل تاريخ المغرب” الذي يمتد على 690 صفحة. ويقصد الكاتب بالمغرب المنطقة بين طرابلس الغرب والمحيط الأطلسي. يتناول الجزء الأول من الكتاب تاريخ المغرب من القرن العاشر ما قبل الميلاد حتى الثامن الميلادي أي الثاني الهجري. ويؤكد الكاتب أن تاريخ المغرب في هذه المرحلة عبارة عن انتقال من استعمار إلى آخر حتى جاء الفتح الإسلامي فأسلم الأمازيغ. فمع تزايد الفتوحات تحولت الدولة الإسلامية من مشيخة عربية إلى إمبراطورية متعددة الأجناس…

يتناول القسم الثاني من الكتاب عصر وحدة المغرب وسطوته حتى وسط القرن الثامن الهجري – الرابع عشر الميلادي. وفيه صار المغرب دولة واحدة مزدهرة بفضل الدعوة والتجارة والدفاع عن الأندلس. هكذا تغير حال المغرب – خلال خمسة قرون الموالية، أي بين القرن الثالث والثامن الهجري – بفضل إرادة توحيدية من طرابلس إلى المحيط، قادتها الدولة الفاطمية والمرابطية والموحدية. كان ذلك عصر الإمبراطوريات.

ويتناول القسم الثالث مغرب التوازن والركود بين القرنين الخامس عشر والتاسع عشر، وفيه يعرض الكاتب قوة المسيحية الغربية وتحركها نحو الشواطئ المغربية وطرق صد العدوان عن طريق العثمانيين والشرفاء المجاهدين. ثم بدء الاستعمار الفرنسي.

المغرب من غزو إلى آخر

يتناول الجزء الأول تاريخ المغرب من القرن العاشر ما قبل الميلاد حتى الثامن الميلادي، أي الثاني الهجري، وفيه يبحث الكاتب إواليات كتابة التاريخ.. يناقش كيفية تناول الأركيولوجيا لتاريخ المغرب. وقد كان قادة الاستعمار الفرنسي يهتمون بالحفريات، وزعموا أن سكان المغرب الأصليين – الأمازيغ- من أصل أوروبي. حتى تحقيب تاريخ المغرب صار على مقاس أوروبي. يقول العروي إن الجامعة الأوربية تعتبر أن التاريخ القديم ينتهي مع الغزو الجرماني، والتاريخ الوسيط ينتهي مع النهضة الأوروبية، وما بعد هذا يسمى التاريخ المعاصر. في حالة المغرب فإن التاريخ القديم ينتهي بالفتح الإسلامي، بينما ينتهي التاريخ الوسيط بالغزو الفرنسي. وما بعده تاريخ مغربي معاصر. وقد تم توظيف مناهج الحفريات واللسانيات والإنسانيات لتفسير تاريخ المغرب. وكان الباحث الأوروبي يرى في فرنسا امتدادا لروما لتخليص المغاربة من التخلف والبربرية. ويعتبر المؤرخون الاستعماريون المقاومة مجرد طيش وعناد وشغب قبلي يستحق السحق بهدف تحضير البدو؛ وبذلك يُغيب المؤرخون وجهة نظر السكان الذين يقعون تحت السيطرة. 92

ويؤكد الكاتب أن تاريخ المغرب في هذه المرحلة عبارة عن انتقال من استعمار إلى آخر، من الفينيقيين إلى القرطاجيين إلى الوندال والرومان والبيزنطيين… خضع الشمال الإفريقي للحكم الروماني وخضع المغرب الصحراوي للسلب والنهب حسب المؤرخين الاستعماريين. وقد حفر الغزاة خندقا لصد هجمات خصومهم وسط المغرب. فعهد الجدران الفاصلة لم يبدأ البارحة.

نتيجة لتتابع الغزو يغيب الاستقرار فتنعزل المدن عن الأرياف. حين تنحل السلطة المركزية تنتعش التنظيمات المحلية لحماية أعضائها. تتحصن المدن خلف أسوارها وتمضي البوادي إلى انحطاط عميق. بفضل الاحتلال تمت العودة إلى الأرض وفرض على الفلاحين تقديم نصف المحصول كضريبة، وهو ما اضطر المزارعين لزيادة الإنتاج…وقد ساعدت الثروة والمسيحية على زيادة حركة التمدين.

الفتح الإسلامي.. لماذا أسلم الأمازيغ؟

في تناوله للفتح العربي للمغرب يلاحظ العروي أننا لا نعرف ما جرى إلا من خلال نصوص عربية متأخرة. مثلا لماذا أسلم البربر؟ أسلموا واعتنقوا مذهب الخوارج ليساعدهم على مقاومة العرب. أما الكتابات الغربية فتزعم أن العرب فتحوا المغرب بسهولة، لتشابه بين العرب والبربر في حياة السلب والنهب والفوضى.

إذن فبعد الاحتلال الروماني لجأ المغاربة إلى الخوارج. ويلاحظ العروي أن مقاربات المؤرخين تصوّر المغاربة قاصرين عن فهم مصلحتهم الحقيقية، وهم بحاجة إلى قوة خارجية لتوجّههم حتى وهم مستقلون. وهذا تأكيد لفرضية استشراقية مفادها أن روما جيدة والإسلام سيء. لذلك ينتقد العروي المؤرخين الغربيين الذين يغمسون تاريخ المجتمع في تاريخ العقيدة، يربطون مصير كل دولة بنجاح أو فشل الدعوة، ولا يرون العربي إلا في ثوب الأعرابي البدوي الهلالي.

المغرب يستعيد استقلاله

مع تزايد الفتوحات تحولت الدولة الإسلامية من مشيخة عربية إلى إمبراطورية متعددة الأجناس…كان المركز يعيش على حساب الأطراف. كان ذلك مُكلفا. وكان الاختيار صعبا بين ترك الحكم بيد المهاجرين والأنصار أو تأسيس إمبراطورية عالمية مثل فارس أو بيزنطة. وقد تطلب الاختيار الثاني بدعا وتغييرات جذرية في الدولة خلقت فتنا وأزمة وجدانية للمؤمنين الأتقياء… توسعت الخلافة بسرعة نادرة ولم تستطع أن تنتظم بطريقة فعالة، لذا كان الحكم المركزي ضعيفا؛ وبذلك حصل المغرب على استقلاله لأول مرة في تاريخه وبدأ يحتفظ بخيراته… وقد ساعد تفاهم الخوارج والبدو على ذلك.

عصر وحدة المغرب وسطوته

يتناول القسم الثاني من الكتاب عصر وحدة المغرب وسطوته حتى وسط القرن الثامن الهجري – الرابع عشر الميلادي. وفيه صار المغرب دولة واحدة مزدهرة بفضل الدعوة والتجارة والدفاع عن الأندلس. هكذا تغير حال المغرب – خلال خمسة قرون الموالية، أي بين القرن الثالث والثامن الهجري – بفضل إرادة توحيدية من طرابلس إلى المحيط، قادتها الدولة الفاطمية والمرابطية والموحدية. كان ذلك عصر الإمبراطوريات.

فبفضل الدعوة والتجارة انتشر الإسلام وترسخ استقرار سياسي وانفتحت الصحراء التي كانت ملجأ للمتمردين… وقد نشأت الإمارات على أساس مواردها، أي إن كل كيان سياسي يتلون بوسائله المعاشية. ومن تلك الإمارات إمارة الخوارج وإمارة إدريس الأكبر وابنه في فاس، وإمارة الأغالبة في تونس… يتحدث الكاتب بتفصيل عن اقتصاد المنطقة وأثر الحروب على السكان. فالمغرب أرض أشجار فواكه أكثر منه أرض زراعة. فحين تعم الفوضى يضايق الرعي الزراعة والغرس لذا يتحول الحقل إلى مرعى فتقل الحبوب وتتراجع التجارة. وهذه كارثة اقتصادية للمدن.

محاولات التوحيد وصراع الدولة والدعوة

أولا محاولة الفاطميين. صار المغرب مشاركا في السياسة الإسلامية، تقوت صلته بالشرق، ثم ظهر نزوع لتوحيد المنطقة مع الفاطميين الذين قادوا دعوة علوية مع أبي عبد الله الشيعي الصنعاني الذي جاء من اليمن بعد أن سمع عن حب المغاربة لآل البيت. وقد تأسست الدولة وتقوت فظهر صراع بين منهج الدولة السياسية المعتدلة والخطة العقائدية الهجومية المتطرفة. وقد استقل المغرب عن الشرق وظهرت خلافة في القيروان وخلافة في الأندلس. وهكذا انهارت وحدة الخلافة وهي أساس نظرية الحكم في الإسلام. تقوت دولة الفاطميين في تونس فهربت الكثير من القبائل المتمردة إلى المغرب الأقصى. استقبل المغرب ضحايا الحروب. والجديد أن المجتمع صار أكثر تجانسا ضمن الحضارة العربية الإسلامية. واستمرت التجارة الصحراوية في دعم اقتصاد الأمراء. وحين رحل الفاطميون إلى القاهرة سنة 972 م انتشرت الفوضى من جديد في المغرب.

ثانيا، محاولة المرابطين في القرن الحادي عشر الميلادي. ضعف الشرق الإسلامي والبيزنطي، ولم تكن أوروبا قد نهضت بعد. وفي هذه اللحظة نشأت إمبراطورية المرابطين في المغرب. وقد استعاد هؤلاء السيطرة على تجارة الصحراء ووحدوا المغرب ثم عبر يوسف بن تاشفين إلى الأندلس وحارب ملوك الطوائف الذين كانوا يتحاربون في ما بينهم ويهدرون مواردهم. قامت الدولة المرابطية باسم الجهاد والإصلاح وتبنت المذهب المالكي دون تطعيمه بالتصوف وعلم الكلام. وحين تعود أمراء المرابطين بذخ الأمراء الأندلسيين انهارت الدولة ونشأت الإمبراطورية الموحدية.

ثالثا، إنجاز الموحدين. بدأت الدعوة الموحدية بالنهي على المنكر. وقد لقي قائد الدعوة ابن تومرت كلا من أبي حامد الغزالي في العراق وابن حزم في الأندلس. وقد نسب ابن تومرت نفسه للرسول وقال بظهور المهدي المنتظر. صاغ عقيدته وحررها وانطلق في نشرها من منطقة جبلية منيعة، وقد نتجت عنها دولة عاصمتها مراكش وحكمت المغرب من شنقيط (موريتانيا الحالية) حتى برقة (ليبيا الحالية) حتى غرناطة في الأندلس. وقد بدأت مشاكل الإمبراطورية الموحدية أولا بسبب الانكماش الاقتصادي، وثانيا بسبب صراع الدولة ورجال الدعوة المتبنين لعقيدة أقلية مفروضة على أغلبية غير مقتنعة بها. تراجع رجال الدولة عن الدعوة فغضب الطلبة والحفاظ والأشياخ فبدأ التفكك لأن الدعاة لا يحاربون تحت راية نِحْلة ضالة. وحين انهزم الموحدون في الأندلس في معركة العقاب سنة 1212م كان ذلك عهد بدء غروب الأندلس نهائيا. ويعلق العروي على النظرية الخلدونية عن الشكل الهرمي لتاريخ الدول بين النشوء والمجد والانهيار. ص388.

انهارت الدولة الموحدية لأنها كانت قسرية، وعاد المغرب إلى انقسامه بين إمارات كثيرة، أهمها بنو حفص وبنو عبد الواد وبنو مرين؛ وهي أساس دول مغرب اليوم الذي لم يتوحد قط.

مغرب التوازن والركود

ويتناول القسم الثالث مغرب التوازن والركود بين القرنين الخامس عشر والتاسع عشر، وفيه يعرض الكاتب قوة المسيحية الغربية وتحركها نحو الشواطئ المغربية وطرق صد العدوان عن طريق العثمانيين والشرفاء المجاهدين؛ ثم بدء الاستعمار الفرنسي.

تحركت المسيحية الغربية بدءا من منتصف القرن الثالث عشر، وتمثل ذلك في اشتداد الهجمة الإيبيرية على المغرب. تقوت الممالك المسيحية مسنودة بالمدن التجارية الإيطالية لخدمة الصليب. احتل البرتغاليون والأسبان الشواطئ فاضطر المغاربة لهجرة السواحل للسكن في المدن الداخلية. ولم يتوقف ذلك حتى هزيمة الأسبان في تونس في 1574 والبرتغاليين في معركة وادي المخازن في 1578. صحيح أن الحملات الصليبية أخفقت لكنها عادت على أوروبا بمنافع تجارية وعلمية وطردت العرب من تجارة البحر المتوسط.

تمت مقاومة الهجمة المسيحية بواسطة العثمانيين والأشراف. وقد بادرت الزوايا إلى صد الاحتلال البرتغالي والأسباني للشواطئ حين تأخر السلطان عن ذلك. وقد صار للزوايا نفوذ محلي، وتم الاعتراف بها من طرف السلطة المركزية كلما كانت ضعيفة. وكان الاستنفار ضد الأجانب الغزاة وسيلة ظرفية يلجأ إليها الحكام كلما اشتدت المعارضة ضدهم في البوادي أو المدن.

لقد تصدى الشرفاء للهجمة الإيبرية على المغرب وشجعوا الجهاد البحري. وقد كان المريدون مقاتلين متحمسين. في هذا السياق ازدهرت الدعوة الصوفية للقناعة والتقشف ضمن الأوساط الشعبية الأمية، ودعت الناس للعمل بدل العزلة والتفرغ للعبادة… وكان هذا نهجا من الزوايا التي تتحاشى التعمق في العقيدة الذي ساد في الشرق والأندلس؛ ولهذا فوائد أهمها محاصرة التطرف الديني.

وهكذا انتقلت الزاوية من التربية والإحسان إلى التعبئة والجهاد ضد الغزاة. وكان البحر المتوسط ساحة جهاد بحري (قرصنة). لكن تقوي العثمانيين والأسبان في مطلع القرن السادس عشر أخرج المغاربة من المنافسة على البحر فعادوا للعيش في المدن الداخلية. وقد سمح انشغال الأعداء ببعضهم البعض لإمارة فاس بالتقوي، حتى إنها هزمت البرتغاليين في معركة وادي المخازن سنة 1578. والسبب هو العامل المعنوي، أي الدفاع عن البلد والدين. وقد ظهر المغرب الأقصى قويا موحدا منذ ذلك الحين، واعتبر النصر في معركة وادي المخازن تأسيسيا للوطنية في المغرب الأقصى. وهكذا تميز مغرب الأشراف عن مغرب الأتراك ومازال.

نتيجة للحروب تم تشكيل جيش على النمط الانكشارية العثمانية، يتكون من أجاب وموالي، وهو محترف تابع للسلطان. جيش تحت سلطة الباي في تونس والجزائر وطرابلس وحتى في فاس. والجديد أن الجيش لم يعد يتشكل من القبائل لضمان ولائه الدائم. وهكذا تشكلت سلطة وطنية هي الجيش وسلط محلية في الأقاليم. المصيبة أن هذا الجيش كان متسلطا على الأرياف والأمصار ويحتكر جمع الضرائب وصرفها لشراء السلاح وغيره. كان هناك صراع بين السلطة المحلية والجيش. مع جيش كهذا لا تدوم عظمة الدولة. انعكس هذا الصراع على التأريخ أيضا، إذ يذكر العروي أنه في نهاية القرن السادس عشر كثرت المصادر المحلية عن تاريخ المغرب، وخاصة التاريخ الديني. وهي مصادر محلية تسمح بالمقارنة مع وقائع التاريخ الرسمي.

ترقب واستسهال

نحن في القرن الثامن عشر؛ وهنا يناقش الكاتب حال الدولة الحسينية في تونس وولاية الداي في الجزائر وسلطة الأشراف العلويين في المغرب الأقصى. هنا لم يعد المغرب واحدا بل انقسم. في هذه المرحلة تراجعت غنائم الجهاد البحري فتأثرت الإمارات ولم تعد قادرة على فرض سلطتها على الداخل؛ بل صار نفوذ اقتصاد الدول المسيحية مفروضا عليها.

وهنا يناقش الكاتب مشاكل كل إمارة على حدة ويقف على بعض خصائصها التي يمكنها أن تفسر وقائع الحاضر. ففي تونس تم إحياء التقاليد الحفصية بالتركيز على التعليم وبناء المساجد. وقد تطلعت تونس إلى المشرق، جربت الإصلاح السلفي واستنفذته وبدأت تتشوق إلى غيره. وقد أبرمت تونس اتفاقيات تجارية مع معظم الدول الأوروبية مع هيمنة التجارة الفرنسية. الأساسي أن تونس عرفت طريقها نحو الاستقرار. هكذا بدأت تونس تبتعد عن جيرانها في المنطقة. (ما يجري في تونس 2015 ليس وليد اللحظة).

في الجزائر كتب الكثير عن حكم الدايات وقيل إنه حكم أوليغارشية عسكرية. وهذا في الجزائر العاصمة، أما خارجها فهناك قيادات ونظم محلية. وكلما ضعفت عائدات العاصمة تزايد نفوذ القيادات المحلية. كان الداي يفاوض أكثر مما يأمر. لم تكن لديه موارد ليسيطر. وكلما تراجع النفوذ التركي في الجزائر زاد نفوذ الشيوخ. في بداية القرن الثامن عشر كان هناك 20000 جندي تركي في الجزائر وصاروا 4000 في بداية القرن التاسع عشر. وقد كان لشيوخ المناطق نفوذ كبير لاستخلاص الضرائب وتأمين الطريق. حين تقل الموارد لا تستخدم الدولة القوة.

رغم الاختلافات بين الإمارات المغربية فهناك وصفة واحدة للإجابة عن السؤال: كيف حافظت العاصمة على نفوذها؟ تعاون الحاكم مع أعيان المدن للحد من نفوذ القبائل والعشائر والزوايا بدفعها نحو الجنوب، نحو الداخل.

يلاحظ العروي أن الجزائر لم تعرف نفس الامتزاج السكاني الذي عرفته تونس. لم يندمج الأتراك القراصنة في المجتمع. كانت الفجوة بين الدولة والمجتمع كبيرة. وقد رحل سكان منطقة تلمسان إلى المغرب فتركوا باي وهران دون رعية وشعارهم: النصارى ولا الأتراك. ونتيجة لهذا الوضع يقول العروي: كانت الجزائر أول بلد يقع في يد الاستعمار الفرنسي سنة 1832.

سلطة الأشراف العلويين

ينتقل الكاتب لوصف حال المغرب الأقصى في القرنين 17 و18. فقد انفصلت فاس عن مراكش بعد موت المنصور الذهبي سنة 1603، وزاد نفوذ الشرفاء في المناطق فتفككت البلاد. وفي 1666 قام أمير علوي بمحاولة ناجحة لتوحيد المغرب الأقصى. وقد ضبط التجارة الخارجية كوسيلة للحفاظ على وحدة البلاد الترابية؛ لأن التجارة مع الأجانب تجلب لصاحبها السلاح والذهب. وهذا التمويل يضمن تأسيس جيش مستقل عن المجتمع، وعن القبائل. لم يكن السلطان يثق في أي جيش مرتبط بإحدى مكونات المجتمع.. لم يكن يثق في الجندي الوفي لقبيلته لا للدولة. كان تمويل الجيش للدفاع عن الدولة يقتضي ضرائب أكثر على الناس ويفقرهم. كان السلطان مضطرا. وقد كتب أحد المؤرخين أن لتدبير السلطنة “شروط لا بد منها وسياسة يكره ظاهرها”. لقد جند السلطان مولاي إسماعيل العبيد وحقق وحدة المغرب، لكنه بذلك حرم الحقول من اليد العاملة فقل المحصول وجاء الجوع. هكذا صارت أزمة الجيش أزمة مجتمع. والحل الذي وجده السلطان المغربي هو ابتكار دولة مختزلة راضية بالتخلي عن بعض صلاحياتها للأعيان المحليين لتستمر. هكذا جرب البلاط الملكي في المغرب مختلف طرق الحكم بالممارسة ووصل إلى خلاصات مازالت تعمل حتى اليوم.

المغرب الاستعماري ضغط وصمود

بدءا من القرن التاسع عشر تتوفر للمؤرخ وثائق دقيقة بفضل ما كتبه الدبلوماسيون والتجار الغربيون الذين تغنوا ببطولات أوروبا المتصفة بالعقل ووصفوا تصرفات المغاربة بالارتجال. وهنا ينتقد العروي التاريخ الاستعماري لكنه ينوه بصحة المعلومات الاقتصادية التي سجلها المستعمرون.

في هذه الفترة عادت التجارة البحرية عماد الدولة، ومن تحكم في الأولى قاد الثانية. وقد تدخل الأوروبيون مبكرا في شمال أفريقيا القريب منهم واستخدموا التجارة وسيلة للسيطرة على المنطقة. فبينما كانت إنجلترا تفكر في التجارة أكثر من احتلال الأرض فإن فرنسا احتلت الجزائر ليستوطنها فائض الرجال العاطلين في الجنوب الفرنسي. وهكذا تم تحطيم الدولة بالقوة في الجزائر. تورطت فرنسا في عملية غزو طويلة مكلفة خاصة في غرب الجزائر، حيث الأمير عبد القادر الذي اتبع سياسة سلطان المغرب وبايعه الأشراف والصلحاء والعلماء. وحين انهزم عبد القادر حاول مبايعة سلطان المغرب فرفض.

خرّبت فرنسا اقتصاد الجزائر وحطمت البلد وشجعت الاستيطان الزراعي… بواسطة عنف ثلاثي: الحرب والقانون والاقتصاد. وقد دفع هذا الظلم الجزائريين إلى المقاومة وردت السلطات الاستعمارية بعنف شديد…

تعلمت فرنسا من التجربة الدموية في الجزائر واستخدمت وسائل دبلوماسية لاحتلال تونس والمغرب في 1912. أولا بطلب القيام بإصلاحات عسكرية واقتصادية، أي تقديم إعفاءات ضريبية للأوروبيين وإصلاحات قانونية بدلا من النظام القضائي الإسلامي، ثم بتقديم قروض لتمويل تلك الإصلاحات بسخاء. وأخيرا حين يتأزم الوضع المالي تتدخل فرنسا لاسترجاع الديون والفوائد. وقد تمكن المغرب من تحمل هذه الضغوط باللعب على تنافس الدول الأوروبية. لهذا استُعمر المغرب بعد ثمانين سنة من استعمار الجزائر في 1832.

وقد تمكنت فرنسا من السيطرة على المغرب تماما وصارت أرضه ملكية فرنسية وبدأت في استغلال خيرات المنطقة عبر نظام إداري ونظام بنكي. استفاد الأوروبيون وصار المجتمع المغربي مفتتا ومسحوقا…وهكذا لم ينشأ في بلاد المغرب نظام رأسمالي متطور، وبالتالي لم تكتمل طبقة وسطى. وقد استمر الخضوع حتى 1930، حينها بدأت تظهر حركة وطنية لتقاوم الاستعمار بشكل تدريجي. أولا بطلب القيام بإصلاحات لصالح الأهالي ثم بالمطالبة بالاستقلال. هنا استعاد المغاربة أنفاسهم. وهنا يتوقف الكاتب عن التأريخ ليتأمل ما قام به.

تاريخ المغرب ضحية للانقسام

لقد استخدم العروي الماضي ليعلق على التاريخ الحديث الذي انقسم فيه المغرب إلى خمسة أقطار. ويرى أن انقسام المغرب الكبير مس مستويات كثيرة: التاريخ والسياسة والاقتصاد والدين. وقد كانت لذلك تبعات تجعل المصالحة صعبة.

على المستوى الأول اشتكى العروي من أن التاريخ لم يسْلم من الصراعات الآنية بدليل أن كل دولة قطرية في المغرب الكبير “تسعى إلى فرض نظرتها المنحازة إلى الماضي المشترك”، أي تقسيم الماضي ليناسب انقسام الحاضر، والنتيجة “على رأس ضحايا الوطنية القطرية الضيقة يوجد بالطبع مشروع كتابة تاريخ المنطقة كوحدة”. وفي ظل هذا التوجه الذي تسيطر عليه أحادية النظرة القطرية والأبحاث الجامعية المتخصصة والتي تفتقد النظرة الشمولية لتاريخ المنطقة، يعتبر العروي أن “مشروع كتابة تاريخ عام لبلاد المغرب كان في حد ذاته رهانا على المستقبل”، وقد أنجز هذا الرهان.

على المستوى الثاني، وفي إطار تنافسهم المدمر على زعامة سياسية وهمية، تحالف قادة الأقطار المغربية مع البعيد ضد الجار القريب، وقد روجوا – يقول العروي – للأصالة والوفاء والخصوصية الثقافية، وهكذا أضرموا نار التشدد، وحين اندلعت النار حولهم عمدوا إلى العنف لمواجهة التطرف.

كحل يطالب العروي بالحد الأدنى، أي معاملة القريب كالغريب، وذلك بغية تصفية النفوس من الأحقاد الموروثة ليدرك كل بلد مغاربي أنه لن ينجو بإغراق جيرانه بل بانتشالهم.

‫تعليقات الزوار

16
  • قارئ
    الجمعة 8 شتنبر 2017 - 11:47

    نص جميل، لكن ابن تومرت لم يلتق ابن حزم، اذن أن بينهما 100 سنة تقريبا.

  • فخور أن أكون مغربي
    الجمعة 8 شتنبر 2017 - 12:06

    التاريخ شرح لنا جيدا أن
    المغرب كان بيزنطيا
    وقبلها تحت سيطرة الوندال
    وقبلهم تحت سيطرة الرومان
    وقبلهم تحت سيطرة القرطاجنيون
    وقبلهم تحت سيطرة الفنيقيون
    مند 1200سنة قبل الميلاد
    تصوروا الفنيقيون دخلوا لمغرب مند 1200سنة قبل الميلاد

    8 قرون حكم الفنيقيون والقرطاجنون
    8 قرون حكم الرومان
    4 قرون حكم الوندال والبيزنطيين
    ثم الفتح العربي في نهاية القرن السادس الميلادي إلى يومنا هذا

    الحقبة الأولى الغير الإسلامية مند 1200 سنة قبل الميلاد إلى سنة 670 بعد الميلاد
    سلسلة من الأجناس تعاقبت على المغرب كأرض.

    الٱن مرة 14 قرنا على الحقبة
    العربية الإسلامية

    فخور أن أكون مغربي
    مكان جميل في الكرة الأرضية

  • مغربي
    الجمعة 8 شتنبر 2017 - 12:17

    الشعب المغربي هو شعب المور احفاذ شعب اتلانتيد اول دول انشاها هي موريتانيا الطنجية وعاصمتها طنجيس قبل ان يخضع للهيمنة الرومانية
    الحقيقة التاريخية خلافا للاسطورة الوحدة الوهم تقول ان شعب المور لم يتحد مع الشعوب المجاورة (الماسيليين والقرطاجيين) ابدا بل كان يخضعهم بالقوة وينشر تقافته ولغته الامازيغية (الاتلنتية القديمة) وحالما يضع شعب المور او يتعرض لغزو استعماري او من يخونه هي الشعوب المجاورة التي ارتمت في احضان الرومان وبعدهم البيزانطيين وبعدهم العرب تم الاتراك تم الفرنسيين
    الفترة الوحيدة التي اتحد فيها شعب المور الاصيل مع هته الشعوب اللقيطة هي فترة الموحدين والمرابطين حين قام المغرب باستعمار الجزائر وتونس بالسوط والسيف وعلق رؤوس كبارهم الخونة فوق اسوار فاس ومراكش ومع ذلك تجد من في القرن 21 يحلم بوحدة وهمية مع قطاع الطرق ومخربي الحضارات لقطاء التاريخ والجغرافيا

  • chomsky
    الجمعة 8 شتنبر 2017 - 12:18

    The history of Morocco is a series of crises afflicted on the Moroccan layman who has never had a say in anything. Yes, Morocco is older than Facebook, but it is undeniable that Facebook has helped Moroccan see their real,despicable profile, away from any positive stereotypes, but fake, they have fabricated about themselves.

  • Mourad
    الجمعة 8 شتنبر 2017 - 12:25

    ليدرك كل بلد مغاربي أنه لن ينجو بإغراق جيرانه بل بانتشالهم.

  • ابو صالح
    الجمعة 8 شتنبر 2017 - 12:31

    عندما يتكلم المتخصص فان العمل يكون كاملا اطال الله في عمر العروي الذي كان استاذي بالجامعة وشكرا للاخ محمد بنعزيز الذي اجاد التلخيص لغير المتخصصين.شكرا لكما

  • علال
    الجمعة 8 شتنبر 2017 - 13:29

    مقال جميل وثري لكن الامر ذاته نجده في تاريخ الامم الاخرى انجلترا او فرنسا مثلا: امواج من الهجرات والغزوات
    القول بنقاء عرق او شعب ما هو محض هراء واوهام عنصرية واكبر دليل على ذلك حجم التداخل بين اللغات فاللسانيات مثلا ترجع اصل اللغات الاوروبية الى الهند
    من ناحية اخرى العنوان مستفز ومضلل ويسىء لقيمة المقال فالانترنت تفتح مجالا واسعا لمن يبحث عن المعرفة وفيسبوك من ادواتها
    العيب في طريقة الاستعمال وليس في الاداة

  • حسن
    الجمعة 8 شتنبر 2017 - 13:39

    ابن تومرت ازداد بعد18سنة على وفاة ابن حزم فكيف تم اللقاء بينهما و اين؟!!!!!!

  • mimoun
    الجمعة 8 شتنبر 2017 - 13:42

    الفتوحات الاسلامية لم يبقى لها اثر بل كانت السبب في فتح ابواب جهنم
    حيث اعتبر الغرب المغرب الباب الذي كان يدخل منه الغزات لذالك بعد اجلاء اخر مسلم من الاندلس ختطوا لاغلاق المنافذ التي كانت تؤرقهم الا وهو المغرب
    هناك مستعمرات من قبل اسبانيا شاهدة على هذا
    الغرب مزق المغرب ارب ارب وما زال على هذا النهج بمباركة من الجزائر التي صارت في صف الصليبيين

  • ahmed
    الجمعة 8 شتنبر 2017 - 16:25

    وزعموا أن سكان المغرب الأصليين – الأمازيغ- من أصل أوروبي
    اليوم لم تعد مزاعم اغلب المغاربة خاصة الامازيغ منهم لهم جد مشترك مع الايبيريين لكن الاصل يبقى افريقيا يعني نحن الاصل وجزء منا عبر المضيق وتناسل مع النياندغتال واعطى الاوربيين فجميع الاجناس الاوربية ومن تفرع منهم يحملون 4 بالمائة من جينات النياندغتال وربما هو ما يفسر ولون العيون …

  • رضا
    الجمعة 8 شتنبر 2017 - 17:59

    " التاريخ القديم ينتهي بالفتح الإسلامي، بينما ينتهي التاريخ الوسيط بالغزو الفرنسي"
    عندما جاء العرب سموه فتحا و عندما جاء الغرب سموه غزوا. عجيب هذا الأمر.

  • تيكشبيلاتيوليولا
    الجمعة 8 شتنبر 2017 - 19:12

    درس
    جــمــيل جـــــدا
    ولـــكن :
    مــــا عــــلاقــــة الـــعنــــوان بــــالمـــوضوع ســـيدي
    " درس تاريخي لرواد "الموقع الأزرق" .. المغرب أقدم من فيسبوك …!…"

    إن بـــدأ
    فــيسبــوك
    تــــويــتر
    ويـــوتــــوب
    يــــزعــــجـوكم
    فـــاغـــلقـــوهـــم !

    والله أنّــكم "مـــَـــاقــَــادِيـــنْ تــْــِديـــُروهــَــا "

    ويــــا أسَفـــَـاكُمْ

    مع تحيـــات

    تيكشبيلاتيوليولا

  • ASSOUKI LE MAURE
    السبت 9 شتنبر 2017 - 00:08

    اسم المغرب الجغرافي و التاريخي عند المؤرخين القدامى و عند المعاصرين MAURÉTANIA الانتيكية وسكانها الاصليون MAURES /سود ، هكذا عرفها الفنيقيون الذين استقروا ببعض شواطئها وتركوا بصماتهم على جزيرة الصويرة كما غزاها الرومان من جنوب هيسبانيا مرات متعددة و استعمروها وبنوا بها مراكز وموانئ لتخزين وتصدير خيرات MAURES المستبعدين والمهجرين من طرف LES GLADIATEURS نحو الجنوب ملوتشا (ملوية ) .لايوجد دليل مادي تاريخي ولو من حجم علبة قهوة NÉSCAFÉ يثبت أن ارض المغرب / MAURÉTANIA سكنها عبر التاريخ شعب "الأمازيغ " لا في عهد الحكم الروماني ولا في عهد البيزينطي ولا حتى في عهد الفرنسيين . ولم يستقر الوندال في شمال TAMZGA بل استوطنوا شواطئ شمال MAURÉTANIA . حاول الانتربولوجيين والعسكريين في بداية زحفهم من شرق ملوية تغيير تاريخها عن طريق شعار LA BERBERIE TERRE DES BERBERES فلم ينجحوا فابدعوا من بعد TAMZGA TERRE DES AMAZIGHS . الأرض قبل الاسلام وقبل قبل المسيحية الرومانية عرفها التجار القرطاجيون و النوميديون بارض Maures السكان السود ، المقصيين من التاريخ .

  • الأعرابي البدوي الهلالي
    السبت 9 شتنبر 2017 - 01:05

    let's be honest, history is subjective and you are subjective too

    so let's play the game with the new settings, because in a game the goal is to find a winner and a loser

    and for now we are losers

  • المجيب
    السبت 9 شتنبر 2017 - 01:29

    ركب العروي بساط الريح وسافر عبر قرون من تاريخ المغرب الكبير.و في الطريق شاهد من فوق ان وحدة شعوب المنطقة وقبائلها لا تتم الا تحت سطوة سلطة قسرية.وعندما تخف او تضمحل قبضة هذه السلطة، يقع التشتت وتبرز الزعامات المحلية او القطرية.فوضع تاريخ المنطقة بين خيارين لا ثالث لهما: اما الوحدة بالتسلط والقوة او التفرقة بطموح الزعامات.غير ان البساط نزل به في الاخير في باحة الوصايا الطوباوية: 1) عدم التحالف مع البعيد ضد الجار القريب.2) عدم الترويج للخصوصية الثقافية.3) تصفية النفوس من الاحقاد الموروثة. 4) العمل على انتشال الجار وليس اغراقه.بصراحة لم اكن اعرف ان السيد العروي يمكن تصنيفه في خانة المتصوفة.

  • نبيل
    السبت 9 شتنبر 2017 - 16:52

    أشكر كاتب المقال على الكم الهائل من المعلومات المركزة واريد فقط ان انوه الى ان الاحتلال الفرنسي للجزائر كان سنة 1830 وليس 1832

صوت وصورة
احتفاء برابحة الحيمر في طنجة
الجمعة 29 مارس 2024 - 10:03

احتفاء برابحة الحيمر في طنجة

صوت وصورة
احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية
الجمعة 29 مارس 2024 - 00:30 3

احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية

صوت وصورة
شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر
الخميس 28 مارس 2024 - 23:00 2

شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر

صوت وصورة
فواجع النقل المزدوج
الخميس 28 مارس 2024 - 22:15 4

فواجع النقل المزدوج

صوت وصورة
تقنين التنقل بالتطبيقات
الخميس 28 مارس 2024 - 19:55 11

تقنين التنقل بالتطبيقات

صوت وصورة
الفهم عن الله | إصلاح العيوب
الخميس 28 مارس 2024 - 18:00

الفهم عن الله | إصلاح العيوب