حياة الرعاة الرّحل .. قساوة تتأرجح بين "برد الشتاء وحرارة الصيف"

حياة الرعاة الرّحل .. قساوة تتأرجح بين "برد الشتاء وحرارة الصيف"
الخميس 14 مارس 2019 - 21:40

وسط القفار والفيافي يقضي الرُّحّل سحابة نهارهم جرْيا خلف قطعان مواشيهم في سبيل كسب لقمة العيش، وفي الليل يأوون إلى مساكنهم المشكلة من خيام وبيوت بسيطة مبنية بالطين، في مناطق معزولة تفتقر إلى الماء والكهرباء وإلى أبسط شروط الحياة الكريمة.

يشتغلون رُعاةً لدى مالكي قطعان الماشية مقابل حصّة من القطيع أو أجر يومي، ويُكابدون مختلف صنوف الشقاء لتوفير لقمة العيش لأبنائهم، دون أن يصلهم ولو قليل من مساعدات الدولة.

مساعدة الدولة

نواحي مدينة آزرو، تقع بلدة هبري. في هذا المكان يوجد تجمع للرعاة الرحل، وسط جبال مكسوة بأشجار الأرز. كانت درجة الحرارة حين زرنا المنطقة تقترب من الصفر. لا يعاني الرحل فقط من البرد القارس حين تسقط الثلوج، بل يعانون أيضا من غياب الكلأ في المراعي لإطعام مواشيهم.

يقطع الرحل كيلومترات كثيرة بحثا عن الكلأ وسط الغابات المكسوّة بالثلوج، ونادرا ما يجدونه، لذلك يضطرون إلى ترْك مواشيهم في الحظائر وإطعامها بالأعلاف، كالشعير والتبن والنخالة والدرة وغيرها، التي تكلفهم كثيرا من الناحية المادية.

“لا نحصل على أي مساعدة من الدولة، وما نجنيه من بيع المواشي بالكاد يكفينا لشراء الأعلاف، ولا نوفّر شيئا”، يقول لحسن وهو يشير إلى أكياس كبيرة من الشعير مصفوفة تحت خيمة من البلاستيك، مضيفا: “يجب على الدولة أن تقدم لنا مساعدة، على الأقل لشراء الأعلاف”.

ويضيف لحسن، آملا أن يصل نداؤه إلى آذان المسؤولين في العاصمة: “ملي كيطيح الثلج ما عندنا فين نخرجو، الكسيبة كتكلفنا بزاف حيت كتبقا غير فالنوايْل وخصها ما تاكل، هادشي فيه الصاير بزاف، مكيشيط لينا والو، حتى الما كنشريوه، والدولة مكتعطينا حتى مساعدة”.

ما يجنيه الرحل من بيع خرفانهم، خاصة في عيد الأضحى، يصرفون جزءا كبيرا منه في شراء الأعلاف طيلة فترة سقوط الثلوج في فصل الشتاء، ولا يشترون الأعلاف فقط، بل يشترون المياه أيضا.

يصل سعر الصهريج الواحد من المياه الذي يشتريه الرحل الموجودون في ضواحي بلدة هبري بالأطلس المتوسط إلى 250 درهما، حسب تصريحاتهم، ويتم جلب الماء من مدينة آزرو أو من تمحضيت.

وبالرغم من أنّ المياه الجوفية متوفرة بكثرة في المنطقة، إلا أن السكان الذين يعيشون في هذه المنطقة لا يتوفرون على آبار، بعدما نشب بينهم وبين سكان دوار مجاور نزاع، فمنعتهم السلطة منذ ذلك الوقت من حفر الآبار، ومن حينها وهم يشترون المياه، حسب تصريحاتهم.

أطفال ضائعون

كغيْره من جيرانه، يطالب مصطفى بمساعدة الدولة لتوفير متطلبات الحياة، فهو أيضا راع يحتاج إلى دعم، لكن المطلب الأكثر أهمية بالنسبة إليه هو توفير مدرسة لتعليم الأطفال. هذا المطلب بالنسبة لمصطفى يكتسي أهمية قصوى، لأن عدم تمدرس الأطفال يعني ضياعهم، كما يقول.

“الدراري هنا غير ضايعين، اللي عندو الفاميلة فآزرو كيمشي يقرا تما، واللي ما عندوش كيبقا هنا ضايع، كيمشي يسرح الغنم مع باه”، يقول مصطفى، مضيفا: “إيلا المسؤولين ما قدروش يبنيو لينا مدرسة هنا، على الأقل خصهم يديرو للدراري النقل المدرسي باش يمشيو يقراو فآزرو”.

يُصعّب نمط عيش الرحل المتسم بالبعد عن الحواضر وتشتتهم في أماكن متفرقة مأمورية توفير وزارة التربية الوطنية التعليم لأبنائهم، لكنّ مصطفى يؤكد أنّ هناك حلا بإمكان الوزارة أن تلجأ إليه لتمتيع أبنائهم بحقهم الدستوري في التعليم، وذلك عبر توفير حافلة للنقل المدرسي.

يقول مصطفى: “مدينة آزرو ما بعيداش علينا بزاف، لو كان الحكومة بغات ولادنا يقراو كانت تدير لهم النقل المدرسي باش يمشيو للمدرسة. ولادنا غير كيضيعو هنا، ما كيقراوش. حنا كنطلبو المسؤولين يديرو النقل المدرسي باش ولادنا ما يْضيعوش”.

معاناة في الصيف والشتاء

تُسمى مساكن الرحّل بـ”النوايْل”، وهي عبارة عن مساكن بسيطة مبنية في الغالب بالأحجار والطين، ومغطاة بالبلاستيك. يقول أحد الرحل الذين التقيناهم نواحي بلدة هبري، متحدثا عن ظروف عيشهم وسط هذه المساكن البسيطة، “فالصيف كتولي بحال الحمام، وفالسّمرة بحال الثلاجة”.

يقاطعه جار له قائلا: “المسؤولين عايشين تحت الضالة والزليج والرخام وحنا عايشين تحت الميكا. بنادم هنا ديما مْعذب، كانت الشمس معذب كانت السمرة معذب”، مضيفا: “في الصيف كتولي النوايل بحال جهنم، والناس ما عندهاش الجّْهد باش تدخل للمدينة”.

يتدخل رجل مسن معارض لفكرة الهجرة إلى المدينة معللا رفضه بقوله: “حتى لا قدرنا نمشيو للمدينة شكون غادي يعمر العروبية. الخير كولّو كيجي غي من العروبية، لا مشاو الناس كاملين للمدينة منين غادي يجيبو الناس حتى باش يعيدو فالعيد الكبير”، قبل أن يستدرك “ولكن الدولة ما خصهاش تنسانا”.

يقاطعه الرجل الذي تحدث قبله قائلا بنوع من الحدة: “حنا ما بغيناش نهاجرو، بغينا نبقاو مع الكسيبة ديالنا، ولكن عاوتاني لا ما عاوناتناش الدولة وما دارتليناش الطريق والمدرسة والضو والما ما نقدروش نبقاو عايشين هاكا، خصهم على الأقل يطلقو لينا البني”.

يقول مصطفى إنه وجيرانه يرغبون في بناء بيوت ولو بالآجر يأوون فيها أبناءهم، لكن السلطات لا تسمح لهم بذلك، متسائلا: “علاش زعما ما يسرحوش البني لهاد الناس، واش غادي نبقاو عايشين ديما تحت الميكا”.

“الميكا” هي الوسيلة الوحيدة التي يملكها الرحل في الأطلس المتوسط لمواجهة البرد القارس في فصل الشتاء حين تنزل درجة الحرارة إلى ما دون الصفر، حيث يغلفون بها بيوتهم، ويجددونها كل سنة، ما يكلفهم مصاريف إضافية.

قد لا يتخيل المرء أنّ الرحّل يستحمون تقريبا في العراء وسط الجبال المكسوة بالثلوج وتحت درجة حرارة ما دون الصفر، لكن هذا واقع كما عايناه في المنطقة التي يقطنها هؤلاء ضواحي آزرو، حيث يعمدون إلى بناء كوخ بالبلاستيك يوقدون داخله النار لتدفئته ولغلي الماء، ويستحمون.

تبني كل أسرة “حمّامها” الذي مساحته أقل من مترين مربعين، خارج الخيمة، ويستحمون داخله مرغمين، يقول محمد حين سألناه كيف يستحمون في هذا المكان الذي تتجمد فيه المياه من شدّة البرد: “كضّْرّگْ بالميكة وكتحمّي بالعافية وتدوش، بزز منك، ما عندك ما تدير”.

معيشة ضنْك

كل شيء في الفضاء الطبيعي الذي يقطن فيه الرحل يعكس أنهم يعيشون معيشة ضنكا. بالقرب من البيوت الطينية حيث يقطنون ثمة صهاريج صغيرة يخزنون فيها الماء. في الصباح يصير الماء مجمّدا كالصخر، ولا يشرع في الذوبان إلا بعد أن تطاله أشعة الشمس. أما حين يسقط الثلج، فإن إذابة الماء تتطلب وضعه في إناء على النار.

الرحّل ألفوا هذا الوضع لكنهم لا يخفون أنهم يقاسون ويعانون، خاصة في ظل غياب أي التفاتة من الدولة تجاههم. يقول علي: “كون غي كاين شوية ديال المعاونة ماشي مشكل، بنادم غادي يديباني ويعيش باش ما كان، ولكن ما كاين والو، الدولة نساتنا”.

يأتي علي إلى بلدة هبري قادما من تجمع آخر للرحل على بعد عشرين كيلومترا، ويعمل هنا عندما تكسو الثلوج جبال المنطقة في إيجار أدوات التزحلق للسياح، فهذا هو العمل الوحيد المتاح أمام هذا الشيخ، لكنه ليس راضيا عنه بما فيه الكفاية، لكون مردوده المالي ضعيفا.

يقول: “كنضرب تقريبا عشرين كيلومتر باش نوصل لهنا، كيجيبني الخطاف بميّة درهم، وكيرجعني بمية درهم، السكّيات (أدوات التزلج) كيتهرسو بزاف وكنضيع فيهم”، مضيفا: “دكشي اللي كنصوّر ما كافينيش. مرة كتصور شي حاجة مرة كترجع بلاش”.

ما عبر عنه علي يتردد على ألسنة باقي الرحل. يقول محمد: “حين أمرض وأذهب إلى المستشفى يقول لي الطبيب لا نتوفر على الدواء، وأنا لا أتوفر على المال لشراء الدواء من الصيدلية”، مضيفا: “أمي أيضا مريضة، تقطن في دوار بعيد، وأبي لا يملك المال لعلاجها”.

‫تعليقات الزوار

10
  • مغربي حر
    الخميس 14 مارس 2019 - 21:58

    ما الذي تقوله السي لحسن اذا قدمت لك الدولة المساعدات و الاعلاف
    و من يعطي مساعدات بسخاء لميسي والمنتخب الارجنتيني

  • حنان
    الخميس 14 مارس 2019 - 21:59

    لا حول ولا قوة إلا بالله.
    مغرب 2019.

  • maghrebi
    الخميس 14 مارس 2019 - 22:00

    وصلنا الى سنة 2019 ولا زلنا نسمع عن مغاربة يعيشون حياة القرون الوسطى.
    كفى من التخلف على الدولة ان تفرض حياة الاستقرار على هؤلاء فلا معنى للترحال اليوم في ظل سيادة الملكيات الخاصة .

  • مطرنن
    الخميس 14 مارس 2019 - 22:02

    سنة الحياة هل الميكانسيان حياته سهلة هل البناء أو الصياد في أعالي البحار حياته سهلة؟؟؟ إنما الحياة الدنيا شي أعطاتو وشي رفعاتو وللأرض شعطاتو.

  • رضوانو
    الخميس 14 مارس 2019 - 22:06

    رغم هذه الظروف القاسية والفقر والتهميش الذي يعيشه الرعاة الرحل فانهم مجرمون لانهم يستحوذون على اراضي السكان ويرعون فيها مواشيهم بالقوة و غالبا ما تحدث بينهم وبين ملاك الاراضي مواجهات دامية تنتهي في المستشفيات، انهم لا يرحمون عندما تكون مواشيهم جائعة .

  • ولد الراشيدية
    الخميس 14 مارس 2019 - 22:26

    الرحال هوما لي كبرونا والدولة مكتعطيهوم ولو تاوحد ممسوق ليهوم هدا العام راه عام الاساتدة والاطباء والله والله منسمحو لحكومة

  • دمحم
    الخميس 14 مارس 2019 - 23:10

    كيف لمغربي أن يحارب مغربي بأرض مغربية الأصل. من أين لكم هذه الأراضي لولا قوانين الجموع الغاشمة. و التي تضع ذوي الحقوق و ذوي التشريد. كيف لمغربي أن يملك في اراضي مغربية و يطرد مغربي مثله منها بفعل انه من ذوي الحقوق… هل له حق كسائر المغاربة و هل يطمح يوما في الاستقرار و الوطنية ام الراعي لا حق له و لا وطن و هو مواطن من الدرجة الثانية. لا و الله. إنها الحقرة و الأنانية و الميز العنصري الغير قانوني و يعاقب عليه قانونيا و إسلاميا و أخلاقيا. الدفاع عن النفس واجب و حماية الدولة واجب و من حق الجميع…

  • جاد
    الجمعة 15 مارس 2019 - 14:10

    عفوا يا رحل الاطلس و الجنوب الشرقي فانتم لستم انفصاليين لتهتم بكم الدولة، انتم احفاد المجاهدين قبائل زيان و ايت عطا الذين استرخصوا ارواحهم فداء لحرية الوطن. دولتنا تعتني فقط برحل الصحراء الجنوبية الذين يرفعون شعارات انفصالية و يسبون رموز الوطن حيث توفر لهم المراعي بعد انتزاعها من الساكنة بل و تسمح لهم بنهب الحقول الزراعية و الاشجار بدون حساب.

  • jamal2
    الجمعة 15 مارس 2019 - 16:44

    احذر السوسيين والمغاربة عامة من هذا الفخ او المخطط …هناك من له مصلحة في تقسيم الشعب بين الامازيغ والاسلامويين والصحراويين والريف الخ … وذلك بزرع العملاء بين كل هذه الفئات المختلفة من الشعب او المجتمع المغربي… فمثلا ليس كل من يدعي انتماءه الى التيار الامازيغي او الاسلامي يسعى الى ما فيه الخير للبلد بل هناك من يريد تقسيم الشعب والبلد فحتى الزفزافي كان يعتبر الريف افضل من كل المناطق الاخرى ويصف باقي الشعب بالعياشة …! اما تحرك المقرئ الادريسي الى سوس في هذه الظروف فالامر يطرح علامة استفهام وقبل ذلك تحرك بعض اللجان التابعة لاحزاب معينة فهذا يزيد من التفرقة والمرحلة تحتاج منا ان نتوحد كمغاربة شمالا وجنوبا امازيغ وعرب لان الكل مستهدف من اجندة خارجية.. الكل مستهدف…لهذا انصح الشعب بعدم الاصطفاف مع اي طرف او حزب فكل شيئ مخترق في هذا البلد.. والسلام

  • عبد الله
    الجمعة 15 مارس 2019 - 17:43

    المرجو البحث في قضية الرحال المعتدين على ممتلكات أهل سوس و ما فعلته السلطات في هذه القضية. رحال يكتبون شعارات البوليزاريو و يعتدون على السكان. إنها قنبلة موقوتة ستنشب حربا أهلية في المنطقة.نسأل الله الأمن و الأمان لهذه البلاد

صوت وصورة
"ليديك" تثير غضب العمال
الخميس 18 أبريل 2024 - 11:55

"ليديك" تثير غضب العمال

صوت وصورة
المعرض المغاربي للكتاب بوجدة
الخميس 18 أبريل 2024 - 01:29

المعرض المغاربي للكتاب بوجدة

صوت وصورة
بعثة أسترالية تزور مركز "تيبو"
الأربعاء 17 أبريل 2024 - 21:45

بعثة أسترالية تزور مركز "تيبو"

صوت وصورة
أكاديمية المملكة تنصّب أعضاء جدد
الأربعاء 17 أبريل 2024 - 18:24

أكاديمية المملكة تنصّب أعضاء جدد

صوت وصورة
احتجاج أرباب محلات لافاج
الأربعاء 17 أبريل 2024 - 17:32

احتجاج أرباب محلات لافاج

صوت وصورة
"كتاب الضبط" يحتجون بالبيضاء
الأربعاء 17 أبريل 2024 - 15:07

"كتاب الضبط" يحتجون بالبيضاء