الإعفاءات من مهام بالوظيفة العمومية في ميزان حقوق الإنسان والمواثيق الوطنية والدولية

الإعفاءات من مهام بالوظيفة العمومية في ميزان حقوق الإنسان والمواثيق الوطنية والدولية
الجمعة 19 ماي 2017 - 14:46

أثارت حملة الإعفاءات الأخيرة من مهام بالوظيفة العمومية، التي قامت بها الدولة المغربية في مواجهة عشرات الأطر من نشطاء العدل والإحسان، نقاشا ساخنا و حادا في الوسط الحقوقي و المشهد السياسي.

حيث تمكنت اللجنة الوطنية للدفاع عن الأطر المعفية، من الترافع عن الملف أمام الفرق البرلمانية بقبة غرفتي مجلس المستشارين و مجلس النواب، الأمر الذي دفع بالفريق البرلماني لحزب العدالة والتنمية إلى مساءلة الدولة المغربية في شخص وزيرها في التربية الوطنية و التكوين المهني و التعليم العالي، المعين حديثا بحكومة عزالدين العثماني، السيد محمد حصاد، عن سند هاته القرارات التعسفية غير المسبوقة في حق مواطنين مغاربة دفعة واحدة، رابطهم المشترك الانتماء إلى لون سياسي واحد، ألا و هو العدل و الإحسان.

لكن ما يثير الاستغراب هو جواب السيد الوزير الذي أعطى لوزارته الحق المطلق في إعفاءهم بدون رقيب و لا حسيب ، خارقا بذلك كل المواثيق و العهود الدولية التي صادق عليها المغرب و كذا المقتضيات الدستورية التي توفر الحماية القانونية و الإدارية للموظف.

ترى هل تجد تلك القرارات التي طالت خيرة أطر هذا الوطن سندا لها في المنظومة الكونية لحقوق الإنسان و المواثيق الدولية و الدستور المغربي ؟.

أم لا تعدو أن تكون قرارات تعسفية مجانبة للصواب ينبغي شجبها و التنديد بها و القطع معها ، و تصحيحها مع مساءلة مرتكبيها إداريا و قضائيا و سياسيا حتى لا يتكرر هذا مستقبلا و يعصف بمبادئ أساسية لا طالما ناضل من أجلها شرفاء هذا الوطن على طول خمسة عقود من الزمن ؟ .

قرارات الإعفاءات في ميزان المواثيق الدولية

يعد مبدأ المساواة لولوج الوظيفة العمومية ، من أهم المبادئ التي نصت عليه بيانات حقوق الإنسان الأمريكية سنة 1776 و الفرنسية سنة 1789 ، و تبنـــــته جل الدساتير الدولية .

هذا المبدأ لا يقتصر تطبيقه أثناء الولوج إلى الوظيفة العمومية فقط بل يشمل جميع مراحل المسار المهني للموظف، ابتداء من التعيــــين إلى نهاية العلاقة الإدارية النظامية بين الموظف و الإدارة.

و بناء عليه فان النــاس يعتبرون سواسية أمام القانون ، و في الحقوق و الواجبات و في تحـــــــــمل التكاليف و المسؤوليات الإدارية ، إذ لا يجوز التمييز بين الموظفين بســـبب الرأي أو العقيدة أو اللون أو – اللغة مع استيفاء أي تمييز بينهم لاعتبارات دينية أو سياسية .

و هذا ما أكدته المادة السادسة من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر سنة 1789 التي تنص على أن ” كل المواطنين متساويين و كذلك مقبولين في الوظيفة العمومية بالنظر إلى مؤهلاتهم و بصرف النظر عن أي تفرقة أخرى” .

نفس الأمر نصت عليه صراحة المادة السادسة من قانون الوظيفة العمومية الفرنسي بقولها ” لا يمكن التفريق بين المواطنين ، على أساس انتماءاتهم السياسية، النقابية أو الفلسفية أو البيئة أو بالنظر إلى جنسهم أو حالته الصحية أو الإعاقة ” .

قرارات الإعفاءات في ميزان التشريع المغربي.

و تجدر الإشارة إلى أن المغرب تبنى نفس المبادئ في مقتضياته الدستورية ، حيث نص على مبدأ المساواة كمبدأ أصيل، في الفصل السادس من دستور 2011 بتأكيده على أن ” القانون هو أسمى تعبير عن إرادة الأمة ، و الجميع أشخاصا ذاتيين — بما فيهم السلطات العمومية ، متساوون أمامه و ملزمون بالامتثال له “.

و هذا ما ذهب إليه الفصل 31 من ذات الدستور الذي نص بشكل واضح على مبدأ المساواة لولوج الوظيفة العمومية ،حيث جاء فيه ” تعمل الدولة و المؤسسات العمومية و الجماعية و الترابية مع تعبئة كل الوسائل المتاحة لتسيير استفاذة المواطنات و المواطنين على قدم المساواة في ولوج الوظائف العمومية حسب الاستحقاق”

و أكده الفصل التاسع عشر من القانون الأساسي العام للوظيفة العمومية الذي جاء من ضمن حيتياثه “يتعين على الإدارة أن تحمي الموظفين من التهديدات و التهجمات و الإهانات و التشــنيع و السباب الذي قد يستهدفون به بمناسبة القيام بمهامهم” .

و هو نفس المنحى الذي ذهب إليه الفصل الرابع عشر من ذات القانون أعلاه بقوله:

” لا تنتج عن الانتماء أو عدم الانتماء إلى نقابة ما ، أية تبعات فيما يرجع لتوظيف المستخدمين الخاضعين لهذا القانون الأساسي العام و ترقيتهم و تعيينهم أو فيما يخص وضعيتهم الإدارية بصفة عامة .

إن القرارات التعسفية التي اتخذتها الدولة المغربية في حق أطر إدارية و تربوية و التي لها من الكفاءة و الدربة والخبرة ما يجعلنا نفخر بهم، لمن شأنها أن تبعث برسالة سيئة محبطة إلى كل غيور على هذا الوطن ينافح من أجل تطوره و تنميته ، و أن تحدث ردة حقوقية لم يسبق لها مثيل في التاريخ الحديث للمغرب ، و أن تحدث تعارضا و تناقضا مع ما جاء في المواثيق و العهود الدولية التي صادق عليها المغرب و التي ضمنها في ديباجة دستور 2011 .

حيث جاء في إحدى فقراته بأن الدولة تؤكد و تلتزم ب : ” جعل الاتفاقيات الدولية كما صادق عليها المغرب و في نطاق أحكام الدستور ، و قوانين المملكة و هويتها الوطنية الراسخة، تسمو فور نشرها على التشريعات الوطنية “.

و بأن الدولة تعمل على “حماية منظومتي حقوق الإنسان و القانون الدولي الإنساني و النهوض بهما و الإسهام في تطويرهما مع مراعاة الطابع الكوني لتلك الحقوق و عدم قابليتها للتجزيء”.

و بأن السلطات العمومية “تعمل على توفير الظروف التي تمكن من الطابع الفعلي لحرية الموطنات و المواطنين و المساواة بينهم و من مشاركتهم في الحياة السياسية و الاقتـــصادية و الثقافية و الاجتماعية”.

ختاما نقول لمصدري تلك القرارات التعسفية، إن الدستور المغربي و قوانينه الداخلية و المواثيق الدولية التي وقعتم عليها و التزمتم بسموها على تشريعاتنا الوطنية لا تسعفكم نصوصها و مبادئها لتدوسون عليها بأقدامكم و بجرة أقلامكم و بجريرة مخاصمتكم السياسية مع مكون سياسي ارتضى لنفسه خط المعارضة السلمية، سعيا منه للإسهام في بناء دولة الحق و القانون و القطع مع عهد الفساد و الاستبداد، و أنه ليس عيبا أن تعترفوا بعدم صوابية قراراتكم و تسارعوا لتصحيحها و الحد من أثارها قبل فوات الأوان .

*محام ،عضو هيئة دفاع الأطر المعفية.

‫تعليقات الزوار

5
  • المهم
    الجمعة 19 ماي 2017 - 17:09

    على الدولة ان تعفي جميع الموظفين و تعويضهم بموظفي الكنترا "contrat" لان موظفي الدولة لا يعملون بجد و هم يتكاسلون في قضاء أغراض المواطنين حيث تجدهم يعملون أقل من ثلاث ساعات في الْيَوْمَ مثلا المقاطعات و العملات لما طبقوا التوقيت المستمر انقسموا الى فريقين :فريق يعمل من التاسعة صباحاً الى منتصف النهار حيث يبتدئ الفريق الثاني الى الثالثة بعد الزوال ،أين هو التوقيت المستمر أو التوقيت العادي ؟ السيبة في الإدارات العمومية

  • محمد
    الأحد 21 ماي 2017 - 22:20

    ويظهر الكذب جليا في كلام الوزير المذكور حين قال : ليس هناك مؤهلات إدارية وغيرها من المؤهلات التي تجعل من استمرارهم في مهامهم ممكنا"فهناك مؤهلات إدارية وأخرى مخفية لا يعلمها إلا ابن تافراوت وزير التعليم في الداخلية أما الذين يمارسون الإدارة فلا يفهمونها ، والغريب في الأمر أن هذه التصريحات الفارغة هي عصا يتوكأ عليها الوزير المذكور لضرب كل من سولت له نفسه الخروج عن طاعته ، فقد بعث حكم البصري من جديد فالويل لرجال ونساء التعليم من وزيرهم حصاد البصري وسينشدون غدا " أكلت يوم أكل الثور الأبيض " فاليوم إعفاء هده الأطر التربوية وغدا دورك أيتها الأطر الإدارية والتربوية فاستعدوا للعزل فالتهمة جاهزة لا تحتاج إلى قرار(: "ليس هناك مؤهلات إدارية وغيرها من المؤهلات التي تجعل من استمرارهم في مهامهم ممكنا)

  • محمد
    الإثنين 22 ماي 2017 - 10:50

    وأخيرا نطق ابن تافراوت وزير التعليم في الداخلية فلا غرابة من مثل هده التصريحات الصادرة عن مسؤول حكومي يغلب عليه الطابع ألمخزني – وهو خريج مدرسة إدريس البصري وقد نسي إبن تافروات ما حل للبصري من خز وعار بسبب ظلم العباد – المعروف بالكذب والهروب من مواجهة الحقيقة ،هل هذه دولة الحق والقانون التي تسوقونها داخليا وخارجيا ?هل فعلا المغرب قطع أشواطا هامة في جميع المجالات ?ماهي المسا طير القانونية المتخذة في مثل هده الحالات ?وما هي الجهات المختصة في اتخاذ قرار الإعفاءات ? من هم أصحاب القرار في المغرب?قلها علانية بان هدا نوع من الانتقام الذي سلكه وزير التعليم في الداخلية، فكفانا من الشعارات الكاذبة والافتراءات التي لا فائدة منها.

  • محمد
    الأربعاء 24 ماي 2017 - 12:09

    همسة في أذن وزير التعليم حصاد الذي صاح في البرلمان متهما الأطر الإدارية والتربوية بعدم الأهلية قائلا: ليس هناك مؤهلات إدارية وغيرها من المؤهلات التي تجعل من استمرارهم في مهامهم ممكنا" ردا على البرلماني ، ونيسي حصاد وزير التعليم حين قدمه أحد الاشخاص لأقرباء الحسن الثاني رحمه الله لتنصيبه وزيرا ، فهمس في أذنه هل أنت من فاس فأجابه حصاد بل من سوس ، فنزع يده من يد حصاد لأنه لا ينتمي إلى الفاسيين بل إلى سوس، وليست لحصاد مؤهلات حتى يكون وزيرا لكنه فشل ، ورغم ذلك أصر في زماننا هذا على أن يصل إلى رغبته في الحكومة السابقة والحاضرة بطريق الواسطة فأين المؤهلات التي تجعل وزير التعليم حصاد في استمراره في مهامه الحالية، لك الله ياوزير التعليم حصاد.

  • محمد
    الأربعاء 24 ماي 2017 - 13:01

    لو أن ابن تافراوت وزير التعليم حصاد اتخذ تدابير حقيقية و إجرائية لمعالجة ملف الأطر الإدارية والتربوية المعفاة من مهامها ، باعتبارها تملك من المؤهلات العالية، و مشهود لها بالكفاءة المهنية والتجرد ،أن يعينها في المراقبة الإدارية لمساعدة باقي الاطر الادارية إلى جانب أطر التفتيش التي تراقب الاطر التربوية ، مع تغير في اطارها إلى متصرف إداري ، للصبغة الادارية ، ويكون الوزير قد ربح الجدالات الدائرة بد من إلصاق التهم الوهمية التي تجاوزها التاريخ ، من خلال مداخلته هنا وهناك.

صوت وصورة
أجانب يتابعون التراويح بمراكش
الخميس 28 مارس 2024 - 00:30 1

أجانب يتابعون التراويح بمراكش

صوت وصورة
خارجون عن القانون | الفقر والقتل
الأربعاء 27 مارس 2024 - 23:30

خارجون عن القانون | الفقر والقتل

صوت وصورة
مع الصديق معنينو | الزاوية الدلائية
الأربعاء 27 مارس 2024 - 23:00

مع الصديق معنينو | الزاوية الدلائية

صوت وصورة
ريمونتادا | رضى بنيس
الأربعاء 27 مارس 2024 - 22:45 1

ريمونتادا | رضى بنيس

صوت وصورة
الحومة | بشرى أهريش
الأربعاء 27 مارس 2024 - 21:30

الحومة | بشرى أهريش

صوت وصورة
احتجاج أساتذة موقوفين
الأربعاء 27 مارس 2024 - 20:30 5

احتجاج أساتذة موقوفين